قال المفسِّرون : وسبب هذا الاستبعاد : أنَّ النبوَّة كانت مخصوصةً بسبط معيَّن من أسباط بني إسرائيل، وهم سبط لاوي بن يعقوب، ومنه « مُوسَى وهارون » وسبط المملكة سبط « يَهُوذا »، ومنه « دَاوُدُ، وسُلَيْمَانُ » و « طَالُوت » لم يكن من أحد هذين السِّبطين، بل كان من ولد « بِنْيَامِين » فلذها السَّبب؛ أنكروا كونه ملكاً عليهم، وزعموا أنَّهم أحقُّ بالملك منه، ثمَّ أكدوا هذه الشُّبهة بشبهة أخرى وهي قولهم :« وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ »، أي : فقير.
قال وهبٌ : كان دبَّاغاً.
وقال السدِّيُّ : مكارياً.
وقال آخرون : كان سقَّاء، واسمه بالعبرانية ساول بن قيس، وكان من سبط بنيامين ابن يعقوب، وكانوا عملوا ذنباً عظيماً، كانوا ينكحون النِّساء على ظهر الطَّريق نهاراً، فغضب الله عليهم ونزع الملك والنبوة عنهم وكانوا يسمون سبط الإثم، ثمَّ إنَّ الله تعالى أجابهم عن شُبْهتهم بقوله :﴿ إِنَّ الله اصطفاه عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم ﴾.
والاصطفاء : أخذ الملك من غيره صافياً، واصطفاه واستصفاه، بمعنى : الاستخلاص، وهو أخذ الشَّيء خالصاً.
وقال الزَّجَّاج : مأخوذٌ من الصَّفوة، فأصله اصتفى بالتاء، فأبدل التَّاء بالطَّاء ليسهل النُّطق بها بعد الصَّاد.
فصل
اعلم أنَّهم لمَّا طعنوا في استحقاقه للملك بأمرين :
أحدهما : كونه ليس من بيت المملكة.
والثاني : القدرة، وهذان الوصفان أشدُّ مناسبة لاستحقاق الملك من الوصفين الأوَّلن لوجوه :
أحدها : أنَّ العلم، والقدرة من باب الكمالات الحقيقيَّة، والمال والجاه ليسا كذلك.
الثاني : أنَّ العلم، والقدرة يمكن التَّوصُّل بهما إلى المال والجاه، ولا ينعكس.
الثالث : أنَّ المال والجاه، يمكن سلبهما عن الإنسان، والعلم والقدرة، لا يمكن سلبهما عنه.
الرابع : أنَّ العالم بأمر الحرب، والقويّ الشَّديد على المحاربة، ينتفع به في حفظ مصلحة الملك، ودفع شرِّ الأعداء، أكثر من الانتفاع بالرجل النَّسيب الغنيِّ الذي لا قدرة له على دفع الأعداء، ولا يحفظ مصلحة الملك.
فصل
دلَّت هذه الآية على بطلان قول من يقول : إنَّ الإمامة موروثةٌ، وذلك؛ لأنَّ بني إسرائيل لمَّا أنكروا أن يكون الملك من غير بيت المملكة؛ أسقط الله هذا الشَّرْط، وبيَّن أنَّ المستحقَّ للملك من خصَّه الله به فقال :﴿ والله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ ﴾، وهذه الآية نظير قوله :﴿ تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ ﴾ [ آل عمران : ٢٦ ].
فصل
والمراد بالبسطة في الجسم : الجمال، وقيل : المراد : طول القامة. قيل : كان أطول من كل أحدٍ برأسه، وبمنكبه. وقيل : المراد القوَّة.