وقرأ أبو السَّمَّال بتشديد الكاف، قال الزَّمخشريُّ :« وَهُوَ غريبٌ ».
قوله :﴿ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ يجوز أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه صفةٌ ل « سَكِينَة »، ومحلُّه الرَّفع. ويجوز أن يتعلَّق بما تعلَّق به « فيه » من الاستقرار. و « مِنْ » يجوز أن تكون لابتداء الغاية، وأن تكون للتبعيض. وثمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي : من سكينات ربكم.

فصل


اعلم أنَّ مجيء التَّابوت لا بدَّ وأن يكون على وجهٍ خارقٍ للعادة؛ حتى يصح كونه آية من عند الله دالَّة على صدق تلك الدَّعوة، وذلك يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون المعجز نفس التَّابوت.
قال أصحاب الأخبار : إنَّ الله تعالى، أنزل على آدم تابوتاً فيه صور الأنبياء من أولاده، وكان من عود من الشمشار نحواً من ثلاثة أذرع في ذراعين، فكان عند آدم إلى أن مات فتوارثه أولاده إلى أن وصل إلى يعقوب، ثم بقي في أيدي بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام -، فكان موسى يضع فيه التوراة ومتاعاً من متاعه، وكان عنده إلى أن مات، ثمَّ تداولته أنبياء بني إسرائيل، وكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلَّم، وحكم بينهم، وإذا حضروا القتال قدَّموه بين أيديهم، ليستفتحوا على عدوِّهم، وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر، ثمَّ يقاتلون العدوَّ، فإذا سمعوا من التَّابوت صيحةً؛ استيقنوا النَّصر، فلمَّا عصوا، وفسدوا سلَّط الله عليهم العمالقة، فغلبوهم على التَّابوت وسلبوه، فلمَّا سألوا نبيَّهم على ملك طالوت؛ قال لهم النَّبيُّ :« إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ » أنكم تجدون التَّابوت في داره، ثمَّ إنَّ الكفَّار حين سلبوا التَّابوت؛ جعلوه في موضع البول والغائط، فدعا نبيُّ ذلك الوقت عليهم، فسلَّط الله عليهم البلاء حتى كل من بال، أو تغوّط ابتلاه الله بالبواسير، فعلم الكفَّار أن ذلك سبب استخفافهم بالتَّابوت، فأخرجوه ووضعوه على ثورين، فأقبل الثَّوران يسيران، ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما، حتى أتوا منزل طالوت، ثمَّ إنَّ قوم ذلك النَّبيّ رأوا التَّابوت عند طالوت، فعلموا أنَّ ذلك دليل على كونه ملكاً لهم.
وقيل : إنَّ التَّابوت صندوقٌ كان موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - يضع التوراة فيه، وكان من خشب يعرفونه، ثم إنَّ الله - تعالى - رفعه لمّا قبض موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - لسخطه على بني إسرائيل، ثمَّ قال نبيُّ أولئك القوم : إنّ آية ملك طالوت أن يأتيكم التَّابوت من السَّماء، والملائكة يحفظونه، والقوم كانوا ينظرون إليه؛ حتَّى نزل عند طالوت، وهذا قول ابن عباسٍ - رضي الله عنه -، وأضيف الحمل إلى الملائكة في القولين، لأنَّ من حفظ شيئاً في « الطَّريق؛ جاز أن يوصف بأنه حمل ذلك الشيء، وإن لم يحمله، كقول القائل : حملت الأمتعة إلى زيدٍ، إذا حفظها في الطَّريق، وإن كان الحامل غيره.


الصفحة التالية
Icon