الثاني : ألا يكون التَّابوت معجزاً، بل يكون المعجز فيه بأن يشاهدوا التَّابوت خالياً، ثمَّ إنَّ ذلك النَّبيّ يضعه بمحضرٍ من القوم في بيتٍ، ويغلقون البيت عليه، ثمَّ يدعي ذلك النَّبي أنَّ الله تعالى يخلق فيه ما يدلُّ على ما وصفنا، فإن فتحوا باب البيت، ونظروا في التَّابوت؛ رأوا فيه كتاباً يدلُّ على أنَّ ملكهم هو طالوت، وأنَّ الله ينصرهم على عدوِّهم، فهذا يكون معجزاً قاطعاً دالاً على أنَّه من عند الله، ولفظ القرآن محتملٌ للوجهين.
فصل في المراد بالسكينة
اختلفوا في السَّكينة : قال عليٌّ - رضي الله عنه - : هي ريحٌ تخرج، أي : شديدة هفَّافةٌ لها رأسان، ووجه كوجه الإنسان.
وقال ابن عبَّاسٍ، ومجاهدٌ : هي صورةٌ من زبرجدٍ وياقوت لها رأسٌ كرأس الهِرّ وذنبٌ كذنبه، ولها جناحان، وقيل : لها عينان لهما شعاعٌ، وكانوا إذا سمعوا صوتها تيقنوا بالنَّصر، وكانوا إذا خرجوا، وضعوا التَّابوت قدَّامهم، فإذا سار ساروا، وإذا وقف وقفوا.
وعن ابن عبَّاس : هي طستٌ من ذهب من الجنَّة؛ كان يغسل فيها قلوب الأنبياء.
وقال أبو مسلم : كان في التَّابوت بشارات من كتب الله المنزَّلة على موسى وهارون - عليهما الصَّلاة والسَّلام - ومن بعدهما من الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام بأن الله تعالى ينصر طالوت، وجنوده، ويزيد خوف العدوّ عنهم.
وعن وهب بن منبّه قال : هي روحٌ من الله تتكلَّم إذا اختلفوا إلى شيءٍ من أمورهم تخبرهم ببيان ما يريدون. وقال أبو بكر الأصمٌّ : معنى السَّكينة؛ أي : تسكنون عند مجيئه وتقرون له بالملك، وتزول نفرتكم عنه؛ لأنه متى جاءهم التَّابوت من السَّماء، وشاهدوا تلك الحالة، فلا بد وأن تسكن قلوبهم إليه وتزول نفرتهم.
وقال قتادة، والكلبيُّ : السَّكينة فعيلة من السّكون، أي : طمأنينة من ربكم، ففي أي مكان كان التَّابوت اطمأنوا إليه وسكنوا.
قوله :﴿ وَبَقِيَّةٌ ﴾ وزنها فعيلة والأصل : بَقِيْبَة بياءين، الأولى زائدة، والثانية لام الكلمة، ثم أُدغم، ولا يستدلُّ على أنَّ لام « بَقِيَّة » ياء بقولهم :« بَقِيَ » في الماضي، لأنَّ الواو إذا انكسر ما قبلها قلبت ياء، ألا ترى أنَّ « رَضِي » و « شَقِيَ » أصلهما من الواو : الشِّقْوَة والرِّضوان.
و « مِمَّا تَرَكَ » في محلِّ رفعٍ؛ لأنه صفةٌ ل « بَقِيَّة » فيتعلَّق بمحذوفٍ، أي : بقيةٌ كائنةٌ. و « مِنْ » للتَّبعيض، أي : من بقيَّات ربِّكم، و « مَا » موصولةٌ اسميَّةٌ، ولا تكون نكرةً ولا مصدريةً.
و « آل » تقدم الكلام فيه، وقي : هو هنا زائدٌ؛ كقوله :[ الطويل ]
١١٦٢- بُثَيْنَةُ مِنْ آلِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا | يَكُنَّ لِوَصْلٍ لاَ وِصَالَ لِغَائِبِ |