قوله :﴿ بِيَدِهِ ﴾ يجوزُ أن يتعلَّق ب « اغْتَرَفَ » وهو الظَّاهر. ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه نعتٌ ل « غُرْفَة »، وهذا على قولنا : بأن « غُرْفَة »، بمعنى المفعول أَظْهر منه على قولنا : بأنها مَصْدَرٌ، فإنَّ الظَّاهِرَ من الباء على هذا أن تكون ظرفيَّةٌ، أي : غُرفةً كائِنَةً في يده.

فصل


قال ابن عباس : كانت الغرْفَةَ تَشْرَبُ منها هو، ودوابُّهُ، وخدمه، ويحمل منها. قال ابن الخطيب : وهذا يحتملُ وجهين :
أحدهما : أَنَّهُ كان مَأْذوناً له أَنْ يأخذ من الماء ما شاء مرَّةً واحِدَةً بغرفةٍ واحدةٍ بحيثُ كان المأْخُوذُ من المرَّةِ الواحدة يكفيه، ودوابُّهُ، وخدمه، ويحمل باقيه.
والثاني : أَنَّهُ كان يأخذُ القليل فيجعل اللهُ فيه البركة حتَّى يكفِي كُلَّ هؤلاء؛ فتكون معجزة لنبيّ ذلك الزَّمان كما أَنَّهُ تعالى كان يَروِي الخلق العظيم من الماءِ القليل في زمن محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام -.

فصل


قال القرطبي : قوله تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني ﴾ يدلُّ على أَنَّ الماء طعامٌ، فإذا كان طعاماً، كان قُوتاً للأَبدان به، فوجب أن يجري فيه الرِّبا.
قال ابن العربيّ وهو الصَّحيح من المذهب، ورَوَى أبو عمر عن مالكٍ قال : لا بأس ببيع الماء بالماءِ متفاضلاً، وإلى أجلٍ، وهو قول أَبي حنيفة، وأبي يوسف وقال محمَّد بن الحسن : هو مِمَّا يُكال ويوزن فعلى هذا لا يجُوزُ عندهُ التفاضل.

فصل


قال ابن العربيِّ : قال أبو حنيفة : إذا قال الرَّجُلُ إذا شرب عبدي من الفراتِ فهو حرّ، فلا يُعتق إِلاَّ أَنْ يكرع فيه، والكرعُ : أَنْ يشرب الرَّجُلُ بفيه مِنَ النَّهر، فَإِنْ شرب بيده، أو اغترف منه بإِناءٍ، لم يعتق، لأنَّ اللهَ - تعالى - فرَّق بين الكرع في النَّهر، وبين الشّرب باليدِ. قال : وهذا فاسِدٌ لأَنَّ شُرب الماء يُطلق على كُلِّ هيئةٍ وصفةٍ في لسان العرب من غرف باليد، أو كرع بالفم انطلاقاً واحداً.
قال القرطبي : وقول أبي حنيفة أصحّ؛ لأَنَّ أهل اللُّغة فرَّقوا بينهما، كما فرَّق الكتابُ والسُّنَّةُ.
قال الجوهريُّ وغيره : كرع من الماء كروعاً : إذا تناوله بفيه من موضعه، من غير أَنْ يشرب بكفيه، أو بإناءٍ، وفيه لغة أخرى « كرعَ » بكسر الرَّاء كَرَعاً.
وَأَمَّا السُّنَّة، فما رُويَ عن ابن عمر قال : مررنا على بِرْكةٍ، فجعلنا نكرعُ فيها فقال رسولُ الله - ﷺ - :« لاَ تَكْرَعُوا وَلَكِن اغْسِلُوا أَيْدِيكُمْ ثُمَّ اشْرَبُوا فيها، فَإِنَّها ليس إِناءٌ بأَطيب مِنَ اليَدِ »


الصفحة التالية
Icon