[ البقرة : ٢٠٥ ] وقال :﴿ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المصلحين ﴾ [ القصص : ١٩ ].
الرابع : ولولا دفع الله بالمؤمنين، والأبرار عن الكفّار، والفجّار، لفسدت الأرض ولهلكت بمن فيها. قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« إِنَّ اللهَ لَيَدْفَعُ بِالمُسْلِم الصَّالِح عَنْ مائَةِ أَهْلِ بَيٍْتٍ مِنْ جِيرَانِهِ » وقال - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« إِنَّ اللهَ يَدْفَعُ بمن يُصَلِّي مِنْ أُمَّتِي عمَّن لا يصلِّي، وبمن يزكّي عمن لا يُزكِّي، وبمن يصوم عمَّن لا يصوم وبمن يحجّ عمَّن لا يحجّ، وبمن يجاهد عمَّن لا يجاهد، ولو اجتمعوا على ترك هذه الأشياء لما أنظرهم الله طرفة عين » ثم تلا رسول الله ﷺ هذه الآية.
ويدلُّ على صحَّة هذا القول قوله تعالى :﴿ وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي المدينة وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ﴾ [ الكهف : ٨٢ ]. وقال تعالى :﴿ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [ الفتح : ٢٥ ] وقال :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]. وعلى هذا التأويل يكون معنى قوله :﴿ لَفَسَدَتِ الأرض ﴾، أي : لأهلك الله أكثر أهلها الكفّار والعصاة.
قال القرطبيُّ : وقيل : هم الأبدال، وهم أربعون رجلاً، كلّما مات واحدٌ أبدل آخر، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم اثنان وعشرون بالشَّام، وثمانية عشر بالعراق.
وروي عن علي - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« إِنَّ الأَبْدَالَ يَكُونُونَ بالشَّام وَهُمْ أَرْبعُونَ رَجُلاً كُلَّمَا مَاتَ مِنْهُم رَجُلٌ أبدل اللهُ مكانه رَجُلاً يُسْتَقَى بِهِمُ الغَيْث وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى الأَعْدَاءِ وَيُصْرَفُ بِهِمْ عَنْ أَهْلِ الأَرْضِ البَلاَء ».
ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول، وخرج أيضاً عن أبي الدرداء قال : إن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض، فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم قوماً من أمة محمد يقال لهم الأبدال، لم يفضلوا النَّاس بكثرة صوم، ولا صلاة، ولكن بحسن خلق، وصدق الورع، وحسن النِّية، وسلامة القلوب لجميع المسلمين والنَّصيحة لهم ابتغاء مرضاة الله، بصبر، وحلم، ولبٍّ، وتواضع في غير مذلَّةٍ فهم خلفاء الأنبياء قوم اصطفاهم الله سبحانه لنفسه، واستخلصهم بعلمه لنفسه، وهم أربعون صدِّيقاً ثلاثون رجلاً على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن بهم يرفع الله المكاره، والبلايا عن النَّاس، وبهم يمطرون، ويرزقون، لا يموت الرَّجل منهم، حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه.
وقال سفيان الثَّوري :« هم الشُّهود الذين تستخرج بهم الحقوق ».
الخامس : قال ابن عبَّاس ومجاهد : ولولا دفع الله بجنود المسلمين؛ لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين، وخربوا المساجد، والبلاد.
السادس : أن يحمل اللفظ على الكل؛ لأن بين هذه الأقسام قدراً مشتركاً، وهو دفع المفسدة، فإذا حملنا اللَّفظ عليه، دخلت الأقسام بأسرها فيه.


الصفحة التالية
Icon