الثالث : أنه تعالى قرن طاعته بطاعته فقال :﴿ مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾ [ النساء : ٨٠ ] وبيعته ببيعته فقال :﴿ إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله ﴾ [ الفتح : ١٠ ] وعزته بعزته فقال :﴿ وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ ﴾ [ المنافقون : ٨ ] ورضاه برضاه فقال :﴿ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ [ التوبة : ٦٢ ]، وإجابته بإجابته فقال :﴿ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم ﴾ [ الأنفال : ٢٤ ].
الرابع : أنَّ معجزات سائر الأنبياء قد ذهبت، ومن بعض معجزاته - عليه الصَّلاة والسَّلام - القرآن، وهو باقٍ إلى آخر الدَّهر.
الخامس : قوله تعالى بعد ذكر الأنبياء :﴿ أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ] فأمر محمداً بالاقتداء بهم، وليس هو الاقتداء في أصول الدين؛ لأن شرعه نسخ سائر الشّرائع، فلم يبق إلا أن يكون الاقتداء في محاسن الأخلاق، فكأنه تعالى قال : إنّي أطلعتك على أحوالهم وسيرهم، فاختر أنت أجودها، وأحسنها. فمقتضى ذلك أنه اجتمع فيه من الخصال ما كان متفرقاً فيهم، فوجب أن يكون أفضل منهم.
السادس : أنه - عليه الصَّلاة والسَّلام - بعث إلى الخلق كلهم، فوجب أن يكون مشقته أكثر من بعث إلى بعضهم، فإذا كانت مشقته أكثر كان أجره أكثر، فوجب أن يكون أفضل.
السابع : أن دين محمَّد أفضل الأديان؛ فيلزم أن يكون محمد ﷺ أفضل الأنبياء.
بيان الأول : أنَّ الله تعالى جعل دينه ناسخاً لسائر الأديان، والنَّاسخ أفضل من المنسوخ، قال تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ]. وإنَّما نالت الأمة هذه الفضيلة لمتابعة النبي ﷺ وفضيلة التابع توجب فضيلة المتبوع.
الثامن : قال ﷺ :« آدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ القِيَامَةِ » وذلك يدل على أنه أفضل من آدم، ومن كل أولاده، وقال ﷺ :« أَنَّا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ » وقال ﷺ :« لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَحَدٌ النَّبيِّين حَتَّى أَدْخُلَهَا أَنَا، ولا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ مِنَ الأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتي » وروى أنس أنه ﷺ قال :« أَنَا أَوَّل النَّاسِ خُرُوجاً إِذَا بُعِثُوا، وَأَنا خَطِيبُهُم إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَّا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أيسُوا، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلى رَبِّي وَلاَ فَخْرَ ».
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : جلس ناسٌ من الصَّحابة يتذاكرون فسمع رسول الله ﷺ حديثهم فقال بعضهم : عجبأ إنَّ الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وقال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليماً، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر : آدم اصطفاه الله، فخرج رسول الله ﷺ وقال :« سَمِعْتُ كَلاَمَكُم، وحُجَّتُكُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللهِ وهُوَ كَذَلِك، ومُوسَى نَجِيُّ الله، وَهُوَ كَذلِكَ، أَلاَ وَأَنَا حَبِيبُ اللهِ، وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ ولا فَخْرَ، وَأَنَا أوّل مَنْ يُحَرِّكُ حَلَقَة الجَنَّة فَيُفْتَحُ لي، فَأَدْخُلها، ومَعِي فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ وَلاَ فَخْرَ ».