وقال أبو هريرة : الكرسيُّ : موضوعٌ أمام العرش ومعنى قوله :﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض ﴾ أي : سعته مثل سعة السَّموات والأرض.
وقال السُّدِّيُّ : إنَّه دون العرش، وفوق السَّماء السَّابعة، وفي الأخبار أن السموات والأرض في جنب الكرسيّ كحلقة في فلاةٍ، والكرسي في جنب العرش كحلقة في فلاةٍ.
وأمّا ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : الكرسيُّ : موضع القدمين فمن البعيد أن يقول ابن عباس هو موضع القدمين لأن الله سبحانه وتعالى منزه عن الجوارح.
وثانيها : أنَّ « الكرسي » هو السُّلطان، والقدرة، والملك.
ثالثها : هو العلم، لأنَّ العلم هو الأمر المعتمد عليه « والكُرْسِيُّ » هو الشَّيء الذي يعتمد عليه، وقد تقدَّم هذا.
ورابعها : ما ختاره القفَّال وهو : أنَّ المقصود من هذا الكلام تصوير عظمة الله وكبريائه؛ لأنَّه خاطب الخلق في تعريف ذاته، وصفاته بما اعتادوه في ملوكهم، وعظمائهم كما جعل الكعبة بيتاً له يطوف النَّاس به كما يطوفون ببيوت ملوكهم، وأمر النَّاس بزيارته، كما يزورون بيوت ملوكهم.
وذكر في الحجر الأسود :« أنَّهُ يمين اللهِ في أَرْضِهِ » وجعله موضوعاً للتقبيل كما يقبل الناس أيضاً أيدي ملوكهم، وكذلك ما ذكر في محاسبة العباد يوم القيامة من حضور الملائكة والنبيين والشُّهداء، ووضع الميزان، فعلى هذا القياس أثبت لنفسه العرش في قوله :﴿ الرحمن عَلَى العرش استوى ﴾ [ طه : ٥ ] ووصف العرش بقوله :﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء ﴾ [ هود : ٧ ] ثم قال :﴿ وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العرش ﴾ [ الزمر : ٧٥ ] ثم قال :﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [ الحاقة : ١٧ ] وقال :﴿ الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾ [ غافر : ٧ ]، وكذلك إثبات الكرسيّ.
وقال ابن الخطيب - رحمه الله - : وهذا جوابٌ مبيّن إلاَّ أنَّ المعتمد هو الأوَّل، وأنَّ ترك الظَّاهر بغير دليل لا يجوز.
قوله :﴿ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ يقال : آده كذا، أي : أثقله، ولحقه منه مشقَّةٌ؛ قال القائل :[ الطويل ]
١١٨٢- أَلاَ مَا لِسَلْمَى اليَوْمَ بَتَّ جَدِيدُهَا | وَضَنَّتْ وَمَا كَانَ النَّوَالُ يُؤُودُها |
و « حِفْظ » : مصدرٌ مضافٌ لمفعوله، أي : لا يَئُودُهُ أن يحفظهما.
و « العَلِيُّ » أصله :« عَلْيِوٌ »، فأُدْغِمَ؛ نحو : مَيِّتٍ؛ لأنَّه من علا يعلو؛ قال القائل في ذلك البيت :[ الطويل ]
١١٨٣- فَلَمَّا عَلَوْنَا وَاسْتَوَيْنَا عَلَيْهِمُ | تَرَكْنَاهُمُ صَرْعَى لِنَسْرٍ وَكَاسِرِ |
فصل في المراد بالعلو
والمراد بالعلو علو القدر والمنزلة لا علو المكان لأن الله سبحانه وتعالى منزه عن التحيز والعلي والعالي القاهر الغالب للأشياء تقول العرب : علا فلان فلاناً أي غلبه وقهره؛ قال الشاعر :[ الطويل ]
١١٨٤- فَلَمَّا عَلَوْنَا...................... | ............................ |