[ القصص : ٤ ].
قال ابن الخطيب : لو كان علوُّه بالمكان لكان متناهياً؛ فإنَّ الجزء المفروض فوقه، أعلى منه، فلا يكون عليّاً مطلقاً، وإن كان غير متناه، وقد دلَّت البراهين اليقينيَّة على استحالة بعدٍ غير متناهٍ.
وأيضاً فلو فرضنا في ذلك نقطاً غير متناهية، فإن لم يحصل فوق تلك النّقط نقطة، أخرى، وكانت تلك النُّقطة طرفاً، لذلك البعد، فيكون متناهياً، وإن لم يوجد في ذلك البعد سفلاً فلا يكون فيها ما هو فوق على الإطلاق، وذلك ينفي حصول العلوّ المطلق، ولأنَّ العالم كرة، فكل علوّ بالنسبة إلى أحد وجهي الأرض هو سفل بالنسبة للوجه الثاني، فينقلب العلوُّ سفلاً، ولأن لو كان علُّوه بالمكان، لكان حصول العلوّ للمكان بالذَّات، والله تعالى بالعرض، وما بالذات أشرف منها بالعرض، فيكون علوُّ المكان أشرف من علوِّه سبحانه، وذلك باطلٌ.
و ﴿ العظيم ﴾ تقدَّم معناه، وقيل : هو هنا بمعنى المعظَّم؛ كما قالوا :« عَتِيقٌ » بمعنى : مُعَتَّق؛ قال القائل :[ الخفيف ]
١١٨٥- فَكَأَنَّ الخَمْرَ العَتِيقَ مِنَ الإِسْ | فَنْطِ مَمْزُوجَةً بِمَاءٍ زُلاَلِ |
قال الزَّمخشريُّ :« فإنْ قلت : كَيْفَ تَرَتَّبَتِ الجُملُ في آية الكرسيّ من غير حَرْفِ عطفٍ؟ قلت : ما منها جملةٌ إلاَّ وهي واردةٌ على البيان لما ترتَّبت عليه، والبيان متَّحدٌ بالمبيَّن، فلو توسَّط بينهما عاطفٌ لكان كما تقول العرب :» بَيْنَ العَصَا وَلِحَائِهَا « فالأولى بيانٌ لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمناً عليه غير ساهٍ عنه، والثانية لكونه مالكاً لما يدبِّره، والثالثة لكبرياء شأنه، والرابعة لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضى منهم، المستوجب للشَّفاعة وغير المرتضى، والخامسة لسعة علمه، وتعلُّقه بالمعلومات كلِّها، أو لجلاله وعظم قدرته » انتهى. يعني غالب الجمل وإلاَّ فبعض الجمل فيها معطوفة وهي قوله :﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ ﴾، وقوله :﴿ وَلاَ يَؤُودُهُ ﴾ وقوله ﴿ وَهُوَ العلي العظيم ﴾.
فصل في فضل هذه الآية
في فضل هذه الآية الكريمة روي عن رسول الله ﷺ أنه قال :« ما قُرِئَت هذه الآية في دَارٍ إلاَّ اهْتَجَرَهَا الشَّيْطَانُ ثَلاَثِينَ يَوْماً، ولاَ يَدْخُلُهَا سَاحِرٌ وَلاَ سَاحِرَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ».
وعن عليٍّ - رضي الله عنه - قال : سمعت نبيَّكم على أعواد المنبر وهو يقول :« مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ، لم يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّة إِلاَّ المَوْتُ، ولا يواظب عليها إلاَّ صدّيق، أو عابدٌ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه؛ أمَّنه الله على نفسه وجاره، وجار جاره، والأبيات التي حوله ».
وتذاكر الصَّحابة أفضل ما في القرآن، فقال لهم عليٌّ : أين أنتم من آية الكرسيّ قال قال لي رسول الله ﷺ :« يَا عَلِيُّ سَيِّدُ البَشَرِ آدَمُ، وسَيِّدُ العَرَبِ مُحَمَّدٌ، وَلاَ فَخْرَ، وَسَيِّدُ الكَلاَمِ القُرْآنُ، وسَيِّد القُرْآنِ البَقَرَةُ وسَيِّدُ البَقَرَةِ آيةُ الكُرْسِيّ »