[ قال القرطبيُّ : وروي في الخبر أن الله تعالى قال :« وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى آتِيَ بِالشَّمْسِ مِنَ المَغْرِبِ لِيُعْلَمَ أَنِّي أَنَا القَادِرُ عَلَى ذَلِكَ.
»
] « قوله :﴿ فَبُهِتَ الذي كَفَرَ ﴾ الجمهور :» بُهِتَ « مبنيّاً للمفعول، والموصول مرفوعٌ به، والفاعل في الأصل هو إبراهيم، لأنه المناظر له، ويحتمل أن يكون الفالع في الأصل ضمير المصدر المفهوم من » قَالَ «، أي : فبهته قول إبراهيم، وقرأ ابن السَّميفع :» فَبَهَتَ « بفتح الباء والهاء مبنيّاً للفاعل، وهذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الفعل متعديّاً، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام -، و »
الَّذِي « هو المفعول، أي : فبهت إبراهيم الكافر، أي : غلبه في الحجَّة، أو يكون الفاعل الموصول، والمفعول محذوفٌ، وهو إبراهيم، أي : بهت الكافر إبراهيم، أي : لمَّا انقطع عن الحجَّة بهته، أي : سبَّه وقذفه حين انقطع، ولم تكن له حيلةٌ.
والثاني : أن يكون لازماً، والموصول فاعلٌ، والمعنى معنى بهت، فتتَّحد القراءتان، أو بمعنى أتى بالبهتان، وقرأ أبو حيوة :»
فَبَهُتَ « بفتح الباء، وضمِّ الهاء، كظرف، والفاعل الموصول، وحكى الأخفش : فَبَهِتَ بكسر الهاء، وهو قاصر أيضاً، فيحصل فيه ثلاث لغاتٍ : بَهَت بفتحهما، بَهُتَ بضم العين، بَهِتَ بكسرها.
قال عروة العدويُّ :[ الطويل ]

١١٩٢- فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً فَأُبْهَتَ حَتَّى مَا أَكَادُ أُجِيبُ
فالمفتوح يكون لازماً ومتعدياً، قال تعالى :﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾ [ الأنبياء : ٤٠ ].
والبَهْتُ : التحيُّر، والدَّهش، وبَاهَتَهُ وَبَهَتَهُ واجهه بالكذب، ومنه الحديث :»
إنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ «، وذلك أن الكذب يحيِّر المكذوب عليه.
ومعنى الآية : أنَّه : بقي مغلوباً لا يجد مقالاً، ولا للمسألة جواباً.
قوله :﴿ والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين ﴾. وتأويله على قول أهل السُّنة ظاهر، وأما المعتزلة، فقال القاضي : يحتمل وجوهاً :
منها : أنه لا يهديهم؛ لظلمهم وكفرهم للحجاج وللحق، كما يهدي المؤمن، فإنه لا بد في الكافر من أن يعجز وينقطع.
ومنها : لا يهديهم بزيادة الهدى والألطاف.
ومنها : لا يهديهم إلى الثواب أو لا يهديهم إلى الجنَّة.
والجواب عن الأول : أنَّ قوله :»
لاَ يَهْدِيهِمْ « إلى الحجاج إنما يصحُّ إذا كان الحجاج موجوداً؛ إذ لا حجاج على الكفر.
وعن الثاني : أن تلك الزيادة، إذا كانت ممتنعةً في حقِّهم عقلاً، لم يصحَّ أن يقال : إنه تبارك وتعالى لا يهديهم كما لا يقال إنه تبارك وتعالى لا يجمع بين الضِّدَّين، فلا يجمع بين الوجود والعدم.
وعن الثالث : أنه لم يهدهم للثواب ولم يجز للجنة ذكر فيبعد صرف اللَّفظ إليهما، بل اللائق بسياق الآية الكريمة أن يقال : إنه تعالى لما أخبر أن الدليل، لمَّا بلغ في الظهور والحجَّة إلى حيث صار المبطل كالمبهوت عن سماعه، إلاَّ أن الله تعالى لم يقدِّر له الاهتداء، لم ينفعه ذلك الدليل الظَّاهر، ونظير هذا التفسير قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملاائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ [ الأنعام : ١١١ ].


الصفحة التالية
Icon