قوله :« وَصَدٌّ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ وما بعده عطفٌ عليه، و « أكبرُ » خبرُ عن الجميع، قاله الزَّجَّاج، ويكون المعنى أَنَّ القتال الذي سألتُم عنه، وإن كان كبيراً، إلاَّ أن هذه الأشياء أكبرُ منه فإذا لم تمتنعوا عنها في الشهر الحرام فكيف تعيبون عبد الله بن جحش على ذلك القتال مع أنَّ عذره ظاهرٌ؛ لأَنَّهُ كان يجوزُ أَنْ يكون ذلك القتل واقعاً في جمادى الآخرة، ونظيره في المعنى قوله تعالى لبني إسرائيل ﴿ أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٤ ] وقوله :﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾ [ الصف : ٢ ].
وجاز الابتداءُ ب « صَدّ » لأحد ثلاثة أوجهٍ :
إِمَّا لتخصيصه بالوصفِ بقوله :« عَنْ سَبِيلِ الله ».
وإِمَّا لتعلُّقِه به.
وإمَّا لكونه معطوفاً والعطفُ من المسوِّغات.
والثاني : أنه عطفٌ على « كبيرٌ » أي : قتالٌ فيه كبيرٌ وصَدٌّ، قاله الفراء.
قال ابن عطية : وهو خطأٌ؛ لأنَّ المعنى يسوقُ إلى أنَّ قوله :« وكفرٌ به » عطفٌ أيضاً على « كبيرٌ » ويجيءُ من ذلك أنَّ إخراج أهل المسجد منه أكبرُ من الكفرِ، وهو بَيِّنٌ فسادُه.
وهذا الذي رَدَّ به قول الفراء، غير لازم له؛ إذ له أَنْ يقولَ : إِنَّ قولَه « وكفرٌ به » مُبْتَدَأٌ، وما بعده عَطْفٌ عليه، و « أكبرُ » خبرٌ عنهما، أي : مجموعُ الأَمرين أكبرُ من القتال والصدِّ، ولا يلزَمُ من ذلك أن يكونَ إخراجُ أهلِ المسجدِ أكبرَ من الكفر، بل يلزمُ منه أنه أكبرُ من القتالِ في الشهرِ الحرامِ.
وهو مصدرٌ حُذِفَ فاعلُه ومفعوله؛ إذ التقدير : وصَدُّكم - يا كفارُ - المسلمين عن سبيلِ الله وهو الإِسلامُ.
و « كفرٌ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه عطفٌ [ على « صَدّ » على قولنا بأن « صَدًّا » مُبتدأ لا على ] قولنا : بأنه خبرٌ ثانٍ عن « قِتالٍ »، لأنه يلزَمُ منه أن يكون القتالُ في الشهرِ الحرامِ كُفْراً، وليس كذلك، إِلاَّ أَنْ يرادَ بقتال الثاني ما فيه هَدمُ الإِسلامِ، وتقويةث الكفرِ؛ كما تقَدَّم ذلك عن بعضهم، فيكونُ كفراً، فيصِحُّ عطفه عليه مُطلقاً، وهو أيضاً مصدرٌ لكنه لازمٌ، فيكونُ قد حُذِفَ فاعلُه فقط، أي : وكُفْرُكم.
والثاني : أن يكون مبتدأٌ، كما يأتي تفصيلُ القولِ فيه. والضميرُ في « به » فيه وجهان :
أحدهما : أنه يعودُ على « سبيل » لأنه المحدَّثُ عنه.
والثاني : أنه يعودُ على اللهِ، والأولُ أظهرُ. و « به » فيه وجهان، أعني كونه صفةً لكفر، أو متعلقاً به، كما تقدَّم في « فيه ».