قوله :« والمسجدِ » مجروراً، وقرئ شاذاً مرفوعاً. فأمَّا جرُّه فاختلف فيه النحويون على أربعةِ أوجهٍ.
أحدها : وهو قولُ المبرد وتبعه الزمخشري - وقال ابن عطية « وهو الصحيح » - أنه عطفٌ على « سبيلِ الله » أَي : وصَدٌّ عن سبيلِ الله وعن المسجدِ.
وَرُدَّ هذا بأنَّه يؤدِّي إلى الفصل بين أبعاض الصِّلةِ بأجنبيّ تقريرُه أنَّ « صَدّاً » مصدرٌ مقدَّرٌ بأَنْ، والفعل، و « أَنْ » موصولة، وقد جَعَلْتُم « وَالْمَسْجِدِ » عطفاً على « سَبِيلِ »، فهو من تمام صلته، وفُصِل بينهما بأجنبيّ، وهو « وَكُفْرٌ بِهِ ». ومعنى كونه أجنبياً أنَّهُ لا تعلُّق له بالصِّلةِ. فإنْ قيل : يُتَوَسَّعُ في الظَّرفِ وحرفِ الجّرّ ما لم يتوسع في غيرهما.
قيل : إنَّمَا قيل بذلك في التَّقديم، لا في الفَصْل.
الثاني : أَنَّه عطفٌ على الهاءِ في « بِهِ »، أي : وكفرٌ به، وبالمسجد، وهذا يتخرَّجُ على قولِ الكُوفيّين. وأمَّا البصريُّون؛ فيشترطُون في العطفِ على الضَّمير المجرور إعادة الخافض إِلاَّ في ضرورة، فهذا التَّخريجُ عندهم فاسِدٌ ولا بدَّ من التّعرُّض لهذه المسألة، وما هو الصَّحيحُ فيها؟ فنقول وبالله التوفيق : اختلف النُّحاةُ في العطفِ على الضَّمير المجرورِ على ثلاثةِ مذاهب :
أحدها - وهو مذهبُ البصريِّين- : وجوبُ إعادة الجارِّ إِلاَّ في ضرورةٍ.
الثاني : أَنَّهُ يجوزُ ذلك في السَّعَةِ مُطْلِقاً، وهو مذهبُ الكُوفيين، وتبعهم أبو الحسن ويونس والشَّلوبين.
والثالث : التَّفصيلُ، وهو إِنْ أُكِّد الضَّميرُ؛ جاز العطفُ من غير إعادةِ الخافض نحو :« مَرَرْتُ بِكَ نفسِك، وزيدٍ »، وَإِلاّ فلا يجوز إلا ضرورةً، وهو قول الجَرميّ، والَّذي ينبغي جوازه مُطلقاً لكثرةِ السَّماع الوارد به، وضعفِ دليل المانعين واعتضاده بالقياس.
أَمَّا السَّماعُ : ففي النَّثْرِ كقولهم :« مَا فِيهَا غَيْرُه، وفرسِهِ » بجرِّ « فَرَسِهِ » عطفاً على الهاءِ في « غَيْره ». وقوله :﴿ تَسَآءَلُونَ بِهِ والأرحام ﴾ [ النساء : ١ ] في قراءة جماعةٍ كثيرة، منهم حمزةُ كما سيأتي إن شاءَ اللهُ، ولولا أَنَّ هؤلاء القرَّاء، رووا هذه اللغة، لكان مقبولاً بالاتِّفاق، فإذا قرءُوا بها في كتاب اللهِ تعالى كان أَولَى بالقبُول.
ومنه :﴿ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ﴾ [ الحجر : ٢٠ ] ف « مَنْ » عطف على « لَكْم » في قوله تعالى :﴿ لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ﴾ [ الحجر : ٢٠ ]. وقوله :﴿ وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ ﴾ [ النساء : ١٢٧ ] عطف على :« فيهنّ »، وفيما يُتلى عَلَيْكُم. أما النَّظم فكثيرٌ جدّاً، فمنه قولُ العبَّاس بن مرداس :[ الوافر ]
١٠٥٤- أَكُرُّ عَلَى الكَتِيبَةِ لاَ أُبَالِي
أَفِيهَا كَانَ حَتْفي أَمْ سِوَاهَا
فَ « سِوَاهَا » عطفٌ على « فِيهَا » ؛ وقولُ الآخر :[ الطويل ]