﴿ انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ ﴾ [ الإسراء : ٢١ ] فتكونُ الجملةُ في محلِّ نصبٍ؛ لأنَّ ما يتعدى بحرف الجرِّ يكونُ ما بعده في محلِّ نصبٍ به. ولا بُدَّ مِنْ حذف مضافٍ؛ لتصِحَّ البدليَّة، والتقدير : إلى حال العظام، ونظيرُهُ قولهم : عَرفْتُ زيداً : أبو مَنْ هُوَ؟ ف « أَبُو مَنْ » هو بدلٌ من « زَيْداً »، على حذفٍ تقديرُهُ :« عَرَفْتُ قِصَّةَ زَيْدٍ ». والاستفهامُ في بابِ التعليقِ، لا يُراد به معناه؛ بل جرى في لسانِهم مُعلَّقاً عليه، حكُم اللفظِ دونَ المعنى، و [ هو ] نظيرُ « أي » في الاختصاص، نحو :« اللهُمَّ اغفِرْ لنا أَيَّتُها العِصَابَةُ » فاللفظُ كالنداء في جميعِ أَحكامه، وليس معناه عليه.
وقرأ أبو عمروٍ، والحرميَّان :« نُنْشِزُهَا » بضم النون، وكسر الشِّين، والراءِ المُهملةِ، والباقُون : كذلك؛ إلاَّ أَنَّها بالزاي المُعْجمة. وابن عباسٍ : بفتح النونِ، وضمِّ الشِّين، والراءِ المهملةِ أيضاً والنخعيّ : كذلك؛ إلا أنها بالزاي المعجمةِ، ونُقِل عنه أيضاً ضمُّ الياءِ، وفتحِها مع الراءِ، والزاي.
فأَمَّا قراءة الحرميّين : فمن « أَنشَرَ اللهُ الموتى » بمعنى : أَحْيَاهم، وأمَّا قراءةُ ابن عباس : فَمِنْ « نَشَر » ثُلاَثيّاً، وفيه حينئذٍ وجهان :
أحدهما : أَنْ يكون بمعنى أَفعلَ، فتتحدَ القراءتان.
والثاني : أَنْ يكونَ مِنْ « نَشَرَ » ضِدَّ : طَوى، أي : يَبسُطها بالإِحياء، ويكونُ « نَشَرَ » أيضاً مطاوِع أَنْشَرَ، نحو : أَنْشَرَ الله الميتَ، فَنَشَرَ، فيكونُ المتعدي، واللازمُ بلفظٍ واحدٍ؛ إلاَّ أنَّ كونه مطاوعاً لا يُتَصَوَّر في هذه الآيةِ الكريمة؛ لتعدِّي الفعل فيها، وإنْ كان في عبارة أبي البقاء رحمه الله في هذا الموضع بعضُ إبهامٍ؛ ومِنْ مجيء « نَشَر » لاَزِماً قوله :[ السريع ]

١٢٠٥- حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأَوْا يَا عَجَباً لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ
فناشِر : مِنْ نَشَر؛ بمعنى : حَيِيَ. والمراد بقوله ننشرها، أي : نُحْييها، يقال أنشر الله الميتَ ونشرَهُ، قال تعالى :﴿ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ ﴾ [ عبس : ٢٢ ] وقد وصف اللهُ العِظِام بالإِحياءِ في قوله :﴿ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ ﴾ [ يس : ٧٨، ٧٩ ].
وأَمَّا قراءةُ الزَّاي فمن « النَّشْزِ » وهو الارتفاعُ، ومنه :« نَشْزُ الأَرْضِ » وهو المرتفع، ونشوزُ المرأةِ، وهو ارتفاعها عن حالها إلى حالةٍ أُخرى، فالمعنى : يُحرِّك العِظام، ويرفعُ بعضها إلى بعضٍ للإِحياء.
قال ابن عطية :« وَيَقْلَقُ عندي أَنْ يكونَ النشوزُ رفعَ العِظَامِ بعضها إلى بعضٍ، وإنما النشوزث الارتفاعُ قليلاً قليلاً »، قال :« وانظر استعمال العربِ، تَجده كذلك؛ ومنه :» نَشَزَ نَابُ البَعِير « و » أَنْشَزُوا، فَأَنْشَزوا «، فالمعنى هنا على التدرُّج في الفعلِ » فجعل ابنُ عطية النشوزَ ارتفاعاً خاصّاً.


الصفحة التالية
Icon