ومَنْ ضَمَّ النونَ جعلهُ مِنْ « أَنْشَزَ »، ومَنْ فَتَحها، فَمِنْ « نَشَزَ »، يقال :« نَشَزه » و « أَنْشَزَه » بمعنى. ومَنْ قرأَ بالياءِ، فالضميرُ لله تعالى. وقرأ أُبيّ « نُنْشِئُها » من النَّشْأَةِ. ورجَّح بعضهم قراءة الزاي على الراء، بِأَنْ قال : العِظامُ لا تُحْيَا على الانفرادِ؛ بل بانضمام بعضِها إلى بعضٍ، والزايُ أَوْلى بهذا المعنى؛ إذ هو بمعنى الانضمام دونَ الإِحياءِ، فالموصُوفُ بالإِحياءِ الرجلُ دونَ العظامِ، ولا يقال : هذا عظمٌ حيٌّ. وهذا ليس بشيءٍ؛ لقوله :﴿ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ [ يس : ٧٨ ].
ولا بُدَّ من ضميرِ محذوفٍ من قوله :« العِظام » أي؛ العظامِ منه، أي : من الحمارِ، أو تكونُ « أَلْ » قائمةً مقامَ الإِضافة، أي : عظامِ حمارِك.
قوله :« لَحْماً » مفعولٌ ثانٍ لِ « نَكْسُوها » وهو من باب أَعْطَى، وهذا من الاستعارة، ومثله قول لبيدٍ :[ البسيط ]
١٢٠٦- الحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِيني أَجَلِي | حَتَّى اكْتَسَيْتُ مِنَ الإِسْلاَمِ سِرْبَالا |
أحدهما : مُضمرٌ يُفَسِّره سياقُ الكلامِ، تقديرُهُ : فلمَّا تبيَّن له كيفيةُ الإِحياءِ التي استقر بها، وقدَّره الزمخشريُّ :« فلمَّا تبيَّن له ما أَشْكَل عليه » يعني مِنْ أَمْرِ إِحياءِ الموتى، والأَوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ قوةَ الكلامِ تدِلُّ عليه بخلافِ الثاني.
والثاني :- وبه بدأ الزمخشري - : أن تكون المسألةُ من بابِ الإِعمالِ، يعني أن « تَبَيَّن » يطلُبُ فاعلاً، و « أَعْلَمُ » يطلبُ مفعولاً، و « أَنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ » يصلُح أَنْ يكونَ فاعلاً لتبيَّن، ومفعولاً لأعلَمُ، فصارَتِ المسألةُ من التنازع، وهذا نصُّه، قال : وفَاعِلُ « تبيَّن » مضمرٌ تقديره : فلمَّا تبيَّن له أَنَّ الله على كل شيءٍ قدير قال : أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ على كل شيء قديرٌ، فحُذف الأَوَّل؛ لدلالةِ الثاني عليه، كما في قولهم :« ضَرَبَنِي، وضَرَبْتُ زَيْداً » فجعله مِنْ باب التنازع وجعله من إعمال الثاني، وهو المختارُ عند البصريين، فلمَّا أعملَ الثاني، أَضْمَرَ في الأَولِ فاعلاً، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ من إعمال الأَولِ؛ لأنه كان يلزَمُ الإِضمارُ في الثاني بضميرِ المفعول، فكأنه قال : فلمَّا تبيَّن له، قال أعلمه أن الله. ومثله في إعمال الثاني :﴿ آتوني أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ﴾ [ الكهف : ٩٦ ] ﴿ هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ ﴾ [ الحاقة : ١٩ ] لما ذكرت.
إِلاَّ أَنَّ أبا حيَّان ردَّ عليه بأنَّ شرط الإِعمالِ على ما نصَّ عليه النحويون اشتراكُ العاملَينِ، وأَدْنى ذلك بحرفِ العطفِ - حتى لا يكون الفصلُ معتبراً - أو يكونُ العاملُ الثاني معمولاً للأول، نحو :« جاءني يَضْحَكُ زيدٌ » فإنَّ « يَضْحَكُ » حالٌ عاملها « جاءني » فيجعل في :« جاءني »، أو في :« يضحك » ضميراً؛ حتَّى لا يكونَ الفعلُ فاصلاً، ولا يَردُ على هذا جعلُهُم « آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً »