﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة ﴾ [ النساء : ١٧٦ ] ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله ﴾ [ المنافقون : ٥ ] و ﴿ هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ ﴾ [ الحاقة : ١٩ ] من باب الإِعمال؛ لأنَّ هذه العوامل مشتركةٌ بوجهٍ ما من وجوهِ الاشتراكِ، ولم يُحْصَرِ الاشتراكُ في العطفِ ولا العَمَلِ، فإذا كان على ما نصُّوا، فليس العاملُ الثاني مُشْتركاً مع الأولِ بحرفِ العطفِ، ولا بغيره، ولا هو معمولٌ للأول؛ بل هو معمولٌ لقال، و « قال » جوابُ « لَمَّا » إِنْ قلنا : إنَّها حرفٌ، وعاملةٌ في « لَمَّا » إن قلنا : إنها ظرفٌ، و « تبيَّن » على هذا القول مخفوضٌ بالظرف، ولم يذكر النحاةُ التنازع في نحو :« لَوْ جَاءَ قَتَلْتُ زيداً »، ولا « لَمَّا جاء ضربت زيداً »، ولا « حِينَ جاء قتلْتُ زيداً »، ولا « إذا جاء قتلتُ زيداً »، ولذلك حكى النحاةُ أَنَّ العربَ لا تقول :« أَكْرَمْتُ أَهْنتُ زيداً » - يعني لعدم الاشتراكِ بين العاملين - وقد ناقضَ قوله؛ حيثُ جعل الفاعل محذوفاً، كما تقدَّم في عبارتِهِ، والحذفُ ينافي الإِضمارَ، فإنْ كان أرادَ بالإِضمار في قوله :« وفاعِلُ تبيَّن مُضْمَرٌ » الحذفَ فهو قول الكسائيِّ؛ لأنه لا يُجيزُ إضمارَ المرفوع قبل الذكر فيدَّعي فيه الحذف، ويُنشد :[ الطويل ]

١٢٠٧- تَعَفَّقَ بِالأَرْطَى لَهَا وَأَرَادَهَا رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ وَكَلِيبُ
ولهذا تأويل مذكورٌ؛ ورُدَّ عليه بالسماع قال القائِلُ :[ البسيط ]
١٢٠٨- هَوَيْنَنِي وَهَوَيْتُ الخُرَّدَ الْعُرُبَا أَزْمَانَ كُنْتُ مَنُوطاً بِي هَوًى وَصِبَا
فقال :« هَوَيْنَنِي » فجاءَ في الأَوَّل بضمير الإِناث، من غير حذفٍ. انتهى ما رُدَّ به عليه، قال شهاب الدِّين - رحمه الله - وفيه نظرٌ لا يخفى.
وقرأ ابن عبَّاس :« تُبُيِّن » مبنياً للمفعولِ، والقائمُ مقامَ الفاعلِ، الجارُّ والمجرورُ بعدَه. وابنُ السَّمَيْفع « يُبَيِّن » من غير تاء مبنياً للمفعولِ، والقائمُ مقامه ضميرُ كيفية الإِحياء أو الجارُّ والمجرورُ.
قوله :﴿ قَالَ أَعْلَمُ ﴾ الجمهورُ على :« قال » مبنيّاً للفاعلِ. وفي فاعله على قراءة حمزة والكسائي :« اعْلَمْ » أمراً من « عَلِمَ » قولان :
أظهرهما : أنه ضميرٌ يعودُ على اللهِ تعالى أو على المَلِك، أي : قال اللهُ تعالى أو الملكُ لذلك المارِّ اعْلَمْ.
الثاني : أنه ضميرٌ يعودُ على المارِّ نفسه، نزَّل نفسه منزلة الأجنبي، فخاطبها؛ ومنه :[ البسيط ]
١٢٠٩- وَدِّعْ أُمَامَة إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ ........................
وقوله :[ المتقارب ]
١٢١٠- تَطَاوَلَ لَيْلُكَ.................. .........................
يعني نفسه، قال أبو البقاء رحمه الله :« كما تقول لنفسك : اعلم يا عبد الله، ويُسَمَّى هذا التجريدَ » يعني : كأنه جَرَّد من نفسه مُخَاطباً يخاطِبُه.


الصفحة التالية
Icon