وقيل : لما نزلت هذه الآية الكريمة قال قوم : شكَّ إبراهيم، ولم يشك نبيُّنا، فقال رسول الله - ﷺ - هذا القول تواضعاً منه؛ وتقديماً لإبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام -.
[ قال القرطبيُّ : اختلف النَّاس في هذا السؤال : هل صدر من إبراهيم - عليه الصلاة والسَّلام - عن شكٍّ، أم لا؟ فقال الجمهور : لم يكن إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - شاكّاً في إحياء الله الموتى قطُّ، وإنَّما طلب المعاينة؛ وذلك أنَّ النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به؛ ولهذا قال - عليه السلام - :« لَيْسَ الخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ » رواه ابن عباس قال أبو عمر : لم يروه غيره ].
قوله :﴿ مِّنَ الطير ﴾ في متعلِّقه قولان :
أحدهما : أنه محذوفٌ لوقوع الجارِّ صفةً لأربعة، تقديره : أربعةً كائنةً من الطير.
والثاني : أنه متعلقٌ بخذ، أي : خذ من الطير.
و « الطير » اسم جمع، كركبٍ وسفر، وقيل : بل هو جمع طائرٍ، نحو : تاجر وتجر، وهذا مذهب أبي الحسن. وقيل : بل هو مخفَّف من « طَيَّر » بتشديد [ الياء ]، كقولهم :« هَيْن ومَيْت » في « هَيِّن ومَيِّت.
قال أبو البقاء رحمه الله :» هو في الأصل مصدر طارَ يطِير، ثم سمِّي به هذا الجنسُ «. فتحصَّل فيه أربعة أقوال.
وجاء جرُّه ب » مِنْ « بعد العدد على أفصح الاستعمال، إذ الأفصح في اسم الجمع في باب العدد أن يفصل بمن كهذه الآية الكريمة، ويجوز الإضافة كقوله تعالى :﴿ تِسْعَةُ رَهْطٍ ﴾ [ النمل : ٤٨ ] ؛ وقال ذلك القائل :[ الوافر ]
وزعم بعضهم : إن إضافته نادرةٌ، لا يقاس عليها، وبعضهم : أنَّ اسم الجمع لما يعقل مؤنث، وكلا الزعمين ليس بصوابٍ؛ لما تقدَّم من الآية الكريمة، واسم الجمع لما لا يعقل يذكَّر، ويؤنَّث؛ وهنا جاء مذكراً لثبوت التاء في عدده.١٢١٢- ثَلاثَةَ أَنْفُسٍ وَثَلاَثُ ذَوْدٍ لَقَدْ جَارَ الزَّمَانُ عَلَى عِيَالِي
قوله :﴿ فَصُرْهُنَّ ﴾ قرأ حمزة، والكسائي : بكسر الصَّاد، والباقون : بضمِّها، وتخفيف الراء. واختلف في ذلك، فقيل : القراءتان يحتمل أن تكونا بمعنًى واحدٍ، وذلك أنه يقال : صاره يصوره ويَصِيرُهُ، بمعنى قطعه، أو أماله، فاللغتان لفظٌ مشتركٌ بين هذين المعنيين، والقراءتان تحتملهما معاً، وهذا مذهب أبي عليّ.
وقال الفراء :» الضمُّ مشتركٌ بين المعنيين، وأمَّا الكسر : فمعناه القطع فقط «.
وقال غيره :» الكَسْرُ بمعنى القطع، والضمُّ بمعنى الإمالة «. يقال رجل أصور، أي : مائلُ العنق، ويقال : صار فلان إلى كذا، إذا قال به، ومال إليه، وعلى هذا يصير في الكلام محذوفٌ، كأنه قيل أملهنَّ إليك، وقطِّعهنَّ.
وقال ابن عبَّاسٍ، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد : صرهنَّ بالضم : بمعنى قطِّعهنَّ، يقال صار الشَّيء يصوره صوراً، إذا قطعه، قال رؤبة يصف خصماً ألد :[ الرجز ]