١٢١٣- صُرْنَاهُ بِالحُكْمِ وَيَبْغِي الحَكَمَا... أي : قطعناهُ، وعلى هذا القول لا يحتاج إلى الإضمار، وقال عطاء : معناه اجمعهنَّ، واضممهنَّ إليك، يقال : صار يصور صوراً، إذا اجتمع، ومنه قيل لجماعة النَّحل : صورٌ.
فصل في لفظ « الصِّرِّ » في القرآن
قال أبو العبَّاس المقرئ : ورد لفظ الصِّرِّ في القرآن على ثلاثة أوجهٍ :
الأول : بمعنى القطع؛ كهذه الآية، أي : قطِّعهنَّ إليك صوراً.
الثاني : بمعنى الريح الباردة، قال تعالى :﴿ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ﴾ [ آل عمران : ١١٧ ] أي : بردٌ.
الثالث : يعني الإقامة على الشيء؛ قال تعالى ﴿ وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ ﴾ [ آل عمران : ١٣٥ ]، أي : لم يقيموا، ومثله :﴿ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم ﴾ [ الواقعة : ٤٦ ].
ونقل عن الفرَّاء أيضاً : أنه قال :« صَارَه » مقلوبٌ من قولهم :« صَرَاهُ عَنْ كَذَا »، أي : قطعه عنه، ويقال : صُرْتُ الشيء، فانصار، أي : انقطع؛ قالت الخنساء :[ البسيط ]
١٢١٤- فَلَوْ يُلاَقِي الَّذي لاَقَيْتُهُ حَضِنٌ | لَظَلَّتِ الشُّمُّ مِنْهُ وَهْيَ تَنْصَارُ |
قال المبرد : وهذا لا يصحُّ؛ لأنَّ كلَّ واحد من اللفظين أصل بنفسه فرع على الآخر.
واختلف في هذه اللفظة : هل هي عربيةٌ، أو معرَّبة؟ فعن ابن عباس : أنها معرَّبة من النَّبطية، وعن أبي الأسود، أنَّها من السُّريانية، والجمهور على أنها عربيةٌ، لا معرَّبةٌ.
و « إِلَيْكَ » إن قلنا : إِنَّ « صُرْهُنَّ » بمعنى أملهنَّ : تعلَّق به، وإن قلنا : إنه بمعنى : قطِّعهنَّ، تعلَّق ب « خُذْ ».
ولمَّا فسَّر أبو البقاء « فَصُرْهُنَّ » بمعنى : أَمْلْهُنَّ « قدَّر محذوفاً بعده تقديره : فأملهنَّ إليك، ثم قطِّعهنَّ، ولمَّا فسَّره بقطِّعهن - كما تقدم - قدَّر محذوفاً يتعلَّق به » إِلَى « تقديره : قطِّعهنَّ بعد أن تميلهنَّ إليك. ثم قال :» والأجودُ عندي أن يكون « إليك » حالاً من المفعول المضمر تقديره : فقطِّعهنَّ مقرَّبةً إليك، أو ممالةً، أو نحو ذلك «.
وقرأ ابن عباس - رضي الله عنه - :» فَصُرْهُنَّ « بتشديد الراء، مع ضم الصاد وكسرها، مِنْ : صرَّه يَصُرّه، إذا جمعه؛ إلاَّ أنَّ مجيء المضعَّف المتعدِّي على يفعل - بكسر العين في المضارع - قليلٌ.
ونقل أبو البقاء رحمه الله تعالى عمَّن شدَّد الراء : أنَّ منهم من يضمُّها، ومنهم من يفتحها، ومنهم من يكسرها، مثل :» مُدَّهُنَّ « فالضمُّ على الإتباع، والفتح للتخفيف، والكسر على أصل التقاء الساكنين.
قال القرطبي : قرئ » صَرِّهِنَّ « بفتح الصاد، وتشديد الراء مكسورة؛ حكاها المهدوي وغيره عن عكرمة؛ بمعنى فاحبسهنَّ، من قولهم :» صرَّى يُصَرِّي « : إذا حبس، ومنه الشاة المصرَّاة، قال القرطبي : وها هنا اعتراضٌ ذكره الماوردي، وهو أن يقال : كيف أجيب إبراهيم إلى آيات الآخرة دون موسى - عليه السلام - في قوله :﴿ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] ؟
فعنه جوابان :
أحدهما : أن ما سأله موسى لا يصحُّ مع بقاء التكليف، وما سأله إبراهيم خاصٌّ يصحُّ معه بقاء التكليف.