وعندنا أَنَّ قتالاً واحداً في الشهر الحرام كُفرٌ.
وقولهم على الثَّاني : يلزم أَن يكون إخراجُ أهلِ المسجدِ منه أكبر من الكفر.
قلنا : المُراد أهل المسجد : وهم الرَّسُولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأصحابه، وإخراج الرَّسُول من المسجد على سبيل الإذلال لا شكّ أنه كُفرٌ، وهو مع كونه كُفراً فهو ظُلْمٌ لأَنَّهُ إيذاء للإنسان مِنْ غير جرمِ سابقٍ، ولا شكّ أن الشيء الَّذشي يكون ظُلماً وكُفراً أكبر، وأقبح عند اللهِ ممَّا يكون كفراً، وحده، ولما ذكر أبو البقاء هذا القول - وهو أن يكون معطوفاً على الشَّهر الحرام - أي يسألُونك عن الشَّهرِ الحرامِ وعن المسجدِ الحرام.
قال أبو البقاء : وضعف هذا بأنَّ القومَ لم يسألوا عن المسجد الحرام إذ لم يشُكُّوا في تعظيمه، وإنَّما سألوا عن القتال في الشَّهر الحرام.
والثاني : القتال في المسجد الحرام؛ لأَنَّهُم لم يَسْأَلوا عن ذات الشَّهر ولا عن ذات المسجد، إِنما سألوا عن القتالِ فيهما؛ فأُجيبوا بأنَّ القتال في الشَّهر الحرامِ كبيرٌ، وصَدٌّ عن سبيلِ الله تعالى، فيكون [ قتال ] أَخْبر عنه بأنه كبيرٌ، وبأنه صَدٌّ عن سبيل الله، وأُجيبوا بأنَّ القتال في المسجد الحرامِ وإِخراجَ أهله أكبرُ من القتالِ فيه. وفي الجملةِ، فعطفُه على الشَّهر الحَرام متكلَّفٌ جدّاً يبعُدُ عنه نظمُ القُرآنِ، والتركِيبُ الفصيحُ.
الرابع : أَنْ يتعلَّق بفعلٍ محذوفٍ دَلَّ عليه المصدرُ تقديره : ويصُدُّون عن المسجد، كما قال تعالى :﴿ هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام ﴾ [ الفتح : ٢٥ ] قاله أبو البقاء، وجعله جيّداً، وهذا غيرُ جيّد؛ لأنه يلزمُ منه حذفُ حرفِ الجَرّ وإبقاءُ عملهِ، ولا يجوزُ ذلك إلا في صورٍ ليس هذا منها، على خلافٍ في بعضها، ونصَّ النَّحويُّون على أنَّه ضرورةٌ؛ كقوله :[ الطويل :]
١٠٦٣- إِذَا قِيلَ :

أَيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالأَكُفِّ الأَصَابِعُ
أي : إلى كُليبٍ فهذه أربعةُ أَوجه، أجودها الثاني.
ونقل بعضهم أَنَّ الواو في المسجد هي واو القسم فيكون مجروراً.
وأمَّا رفعه فوجهُه أَنَّهُ عطفٌ على « وَكُفْرٌ » على حذف مُضافٍ تقديره « وَكُفْرٌ بالمَسْجِدِ » فحُذِفَت الباءُ، وأُضِيفَ « كُفْرٌ » إلى المسجد، ثمَّ حُذِفَ المضافُ وأُقيم المُضَافُ إليه مُقَامَهُ، ولا يَخْفَى ما فيه من التَّكَلُّفِ.

فصل


وفي الصَّدِّ عن سبيل اللهِ وجوهٌ :
أحدها : أَنَّهُ صدٌّ عن الإِيمان باللهِ ورسوله.
وثانيها : صدُّ المسلمين عن الهجرة للرَّسُول عليه السَّلام.
وثالثها : صدُّ المسلمين عام الحُدَيبية عن العُمرَة.
ولقائل أن يقول : دلّت الرَّوايات على أَنَّ هذه الآية، نزلت قبل غزوة بدرٍ باعثاً للرَّسُول مستحقّاً للعبادة قادراً على البعث، وأما « المَسْجِد الحَرَامِ » فإِنْ عطفناه على الضَّمير في « بِهِ » ؛ كان المعنى : وكفر بالمسجد الحرام ومعنى الكفر بالمسجد الحرام هو منعُ النَّاسِ عن الصَّلاَةِ، والطَّواف به، فقد كفروا بما هو السَّبَبُ في فضيلته الَّتي بها يتميَّزُ سائر البقاع.


الصفحة التالية
Icon