فإن قيل : كيف عطف « وأَصَابَهُ » على « أيودُّ » ؟ وكيف يجوزُ عطفُ الماضي على المستقبل؟
فالجواب : من وجوه :
أحدها : أَنَّ الواو للحالِ، والجملةُ بعدها في محلِّ نصبٍ عليها، و « قد » مقدَّرةٌ أي : وقد أصابه، وصاحبُ الحال هو « أَحَدُكُمْ »، والعاملُ فيها « يَودُّ »، ونظيرُها :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨ ]، وقوله تعالى :﴿ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا ﴾ [ آل عمران : ١٦٨ ] أي : وقد كُنتم، وقد قَعَدوا.
والثاني : أَن يكون قد وضع الماضي موضع المضارع، والتقديرُ « ويُصيبَه الكِبَر » كقوله تعالى :﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ ﴾ [ هود : ٩٨ ] أي : يوردهُم. قال الفراء : يجوزُ ذلك في « يَوَدُّ » ؛ لأنه يُتَلَقَّى مرةً ب « أَنْ » ومرةً ب « لو » فجاز أن يُقَدَّر أحدُهما مكان الآخر.
الثالث : أنه حُمِل في العطفِ على المعنى؛ لأنَّ المعنى : أَيَودُّ أحدُكم أَنْ لو كانَتْ، فأصابه الكِبَرُ، وهذا الوجهُ فيه تأويلُ المضارع بالماضي؛ ليصِحَّ عطفُ الماضي عليه، عكسُ الوجه الذي قبله، فإنَّ فيه تأويلَ الماضي بالمضارع. واستضعف أبو البقاء هذا الوجه؛ بأنه يُؤدّي إلى تغيير اللفظ مع صحّة المعنى.
والزمخشريُّ نَحَا إلى هذا الوجه - أيضاً - فإنه قال « وقيل : يُقالُ : وَدِدْتُ لو كان كذا؛ فحُمِل العطفُ على المعنى، كأنه قيل : أَيَودُّ أحدُكم لو كانت له جَنَّةٌ، وأصابَه الكِبَرُ ».
قال أبو حيان :« وظاهرُ كلامه أَنْ يكونَ » أَصَابَهُ « معطوفاً على متعلِّق » أَيَودُّ « وهو » أَنْ تَكُونَ « ؛ لأنه في معنى » لَوْ كانَتْ «، إذ يقال : أيودُّ أحدكم لو كانت، وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنه يمتنع من حيثُ المعنى أَنْ يكونَ معطوفاً على » كانت « التي قبلها » لو « ؛ لأنه متعلَّق الوُدِّ، وأمَّا » أَصابَه الكِبَرُ « فلا يمكنُ أن يكون متعلَّق الودِّ؛ لأنَّ » أصَابه الكِبَرُ « لا يودُّه أَحَدٌ ولا يتمنَّاه، لكن يُحْمل قول الزمخشريُّ على أنه لمّا كان » أَيَوَدُّ « استفهاماً معناه الإِنكارُ جُعِلَ متعلَّقُ الودادةِ الجمع بين الشيئين، وهما : كونُ جنةٍ له، وإصابةُ الكِبَر إياه، لا أنَّ كلَّ واحد منهما يكونُ مَوْدُوداً على انفراده، وإنما أَنكروا ودادة الجمع بينهما ».
قوله تعالى :﴿ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ﴾ هذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من الهاءِ في « وأَصابَه »، وقد تقدَّم اشتقاقُ الذريَّة. وقُرئ « ضِعافٌ »، وضُعفاءُ، وضعاف، منقاسان في ضعيف، نحو : ظريف، وظُرَفَاء، وظِراف، وشَريف، وشُرَفاء وشِراف.
قوله :﴿ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ ﴾ هذه الجملة عطفٌ على صفةِ الجنة قبلها، قاله أبو البقاء. يعني على قوله تعالى :﴿ مِّن نَّخِيلٍ ﴾ وما بعده.


الصفحة التالية
Icon