« مِنَ الخُبْثِ، والخَبائث ».
قوله :﴿ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾ « منه » متعلِّقٌ بتنفقون، وتنفقون فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من الفاعل في « تَيَمَّموا » أي : لا تقصدوا الخبيث منفقين منه، قالوا : وهي حالٌ مقدَّرة، لأن الإنفاق منه يعق بعد القصد إليه، قاله أبو البقاء وغيره.
والثاني : أنها حالٌ من الخبيث؛ لأن في الجملة ضميراً يعود إليه، أي : لا تقصدوا منفقاً منه.
والثالث : أنه مستأنف منه ابتداء إخبار بذلك، وتمَّ الكلام عند قوله :﴿ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث ﴾ ثم ابتدأ خبراً آخر، فقال : تنفقون منه، وأنتم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم، كأن هذا عتابٌ للناس، وتقريعٌ.
والتقدير : تنفقون مع أنكم لستم بآخذيه إلا مع الإغماض، فهو استفهامٌ على سبيل الإنكار. قال شهاب الدِّين : وهذا يردُّه المعنى.
فصل في بيان المراد من النفقة
اختلفوا في المراد بهذه النفقة : فقال الحسن : المراد بها الزكاة المفروضة؛ لأن هذا أمرٌ، والأمر للواجب.
وقال قومٌ : صدقة التطوع؛ لما روي عن علي، والحسن، ومجاهد : أنهم قالوا : كانوا يتصدَّقون بشرار ثمارهم، ورديء أموالهم؛ فنزلت هذه الآية.
« وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال جاء رجلٌ ذات يوم بعذق خشف فوضعه في الصَّدقة. فقال رسول الله - ﷺ - :» بِئْسَ مَا صَنَعَ صاحبُ هذا « فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال آخرون : المراد الفرض، والنفل؛ لأن المفهوم من الأمر ترجيح جانب الفعل على جانب الترك من غير أن يكون فيه بيان أنه يجوز الترك أو لا يجوز وهذا المفهوم قدرٌ مشتركٌ بين الفرض والنَّفل؛ فوجب أن يدخلا فيه، فعلى القول بأنَّه الزكاة فنقول : ظاهر الآية يدلُّ على وجوب الزكاة في كل مال يكتسبه الإنسان، من الذَّهب، والفضَّة، والتجارة، وزكاة الإبل، والغنم، والبقر؛ لأن ذلك مما يوصف بأنه مكتسبٌ.
قال القرطبيُّ : والكسب يكون بتعب بدنٍ، وهي الإجارة، أو مقاولة في تجارةٍ، وهو البيع، والميراث داخلٌ في هذا؛ لأن غير الوارث قد كسبه.
وقال ابن خويزمنداد : ولهذه الآية جاز للوالد أن يأكل من كسب ولده؛ لقوله ﷺ :» أَوْلاَدُكُمْ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِ أَوْلاَدِكُمْ هَنِيئاً «.
قوله :﴿ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأرض ﴾ يدلُّ على وجوب الزَّكاة في كل ما تنبته الأرض، على ما هو قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وخصَّ مخالفوه هذا العموم بقوله - ﷺ - :» لَيْسَ في الخُضْرَوَاتِ صَدَقَةٌ « وأستدل أبو حنيفة - رحمه الله - أيضاً بهذه الآية الكريمة على وجوب إخراج الزكاة من كلِّ ما أنبتته الأرض، قليلاً كان، أو كثيراً؛ لظاهر الآية وخصَّ مخالفوه هذا العموم بقوله - ﷺ - :