قوله :﴿ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ ﴾ هذه الجملة فيها قولان :
أحدهما : أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب، وإليه ذهب أبو البقاء.
والثاني : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال، ويظهر هذا ظهوراً قوياً عند من يرى أن الكلام قد تمَّ عند قوله :﴿ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث ﴾ وما بعده استئنافٌ، كما تقدَّم.
والهاء في ﴿ بِآخِذِيهِ ﴾ تعود على « الخَبِيث » وفيها، وفي نحوها من الضمائر المتصل باسم الفاعل؛ قولان مشهوران :
أحدهما : أنها في محلِّ جر، وإن كان محلُّها منصوباً؛ لأنها مفعولٌ في المعنى.
والثاني :- وهو رأي الأخفش - أنها في محلِّ نصبٍ، وإنما حذف التنوين، والنون في نحو :« ضَارِبُنْكَ » بثبوت التنوين، وقد يستدلُّ لمذهبه بقوله :[ الطويل ]
١٢٢٧- هُمُ الفَاعِلُونَ الخَيْرَ والآمِرُونَهُ | ....................... |
١٢٢٨- وَلَمْ يَرْتَفِقْ وَالنَّاسُ مُحْتَضِرُونَهُ | ........................ |
قوله :﴿ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ ﴾ الأصل : إلاَّ بأن، فحذف حرف الجرِّ مع « أنْ » فيجيء فيها القولان : أهي في محلِّ جرٍّ، أم نصب؟ وهذه الباء تتعلَّق بقوله :﴿ بِآخذيه ﴾. وأجاز أبو البقاء - رحمه الله - أن تكون « أنْ » وما في حيِّزها في محلِّ نصب على الحال، والعامل فيها « آخِذيه ». والمعنى : لَسْتُم بآخذِيه في حالٍ من الأحوال إلا في حال الإغماض، وقد تقدَّم أنَّ سيبويه - رحمه الله - لا يجيز أن تقع « أَنْ »، وما في حيِّزها موقع الحال. وقال الفراء : المعنى على الشرط والجزاء؛ لأنَّ معناه : إن أغمضتم أخذتم، ولكن لمَّا وقعت « إلاَّ » على « أَنْ »، فتحها، ومثله، ﴿ إِلاَّ أَن يَخَافَآ ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] ﴿ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ]. وهذا قول مردودٌ.
والجمهور على :« تُغْمِضُوا » بضمِّ التاء، وكسر الميم مخففةً؛ من « أَغْمَض »، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه على حذف مفعوله، تقديره : تغمضوا أبصاركم، أو بصائركم.
والثاني : في معنى ما لا يتعدَّى، والمعنى إلاَّ أن تغضوا، من قولهم :« أَغْضَى عنه ».
وقرأ الزهريُّ :« تُغَمِّضُوا » بضم التاء، وفتح الغين، وكسر الميم مشددةً؛ ومعناها كالأولى. وروي عنه أيضاً :« تَغْمَضُوا » بفتح التاء، وسكون الغين، وفتح الميم؛ مضارع « غَمِضَ » بكسر الميم، وهي لغةٌ في « أَغْمض » الرباعي، فيكون ممَّا اتفق فيه فعل وأفعل.
وروي عن اليزيديّ :« تَغْمُضُوا » بفتح التاء، وسكون الغين، وضمِّ الميم.
قال أبو البقاء - رحمه الله - :« وهو مِنْ : يَغْمُضُ، كظرفُ يظرُفُ، أي : خَفِيَ عليكم رأيُكم فيه ».
وروي عن الحسن :« تُغَمَّضُوا » بضمِّ التاء، وفتح الغين، وفتح الميم مشددةً على ما لم يسمَّ فاعله.