قوله :﴿ إِن تُبْدُواْ الصدقات ﴾ أي تُظهرونها ﴿ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾.
الفاء جواب الشرط، و « نِعْمَط فعلٌ ماضٍ للمدح، نقيض بئس، وحكمها في عدم التصرف، والفاعل، واللغات حكم بئس، كما تقدَّم.
و »
مَا « في محلِّ الرفع. و » هِيَ « في محل النصب، كما تقول : نِعْمَ الرجل رجلاً، فإذا عرَّفت، رفعت فقلت : نِعْمَ الرجلُ زَيْدٌ.
قال الزجاج :»
ما « في تأويل الشيء، أي : نعم الشيء هو.
قال أبو علي : الجيد في تمثيل هذا أن يقال :»
ما « في تأويل شيءٍ؛ لأن » مَا « ها هنا نكرةٌ فتمثيله بالنكرة أبين، والدليل على أن » ما « ها هنا نكرةٌ أنها لو كانت معرفةً، فلا بد لها من صلة، وليس ها هنا ما يوصل به؛ لأن الموجود بعد » ما « هو » هي « وكلمة » هِيَ « مفردةٌ، والمفرد لا يكون صلةً ل » مَا « وإذا بطل هذا، فنقول » مَا « نصبٌ على التمييز، والتقدير : نِعْمَ شيئاً هي إبداء الصدقات، فحذف المضاف؛ لدلالة الكلام عليه.
وقرأ ابن عامرٍ، وحمزة، والكسائيُّ، هنا وفي النساء :»
فَنَعِما « بفتح النون، وكسر العين، وهذه على الأصل؛ لأنَّ الأصل على » فَعِلط كعلم، وقرى ابن كثير، وورش، وحفص : بكسر النون والعين، وإنما كسر النون إتباعاً لكسرة العين، وهي لغة هذيل.
قيل : وتحتمل قراءة كسر العين أن يكون أصل العين السكون، فلمّا وقعت بعدها « ما » وأدغم ميم « نِعْم » فيها، كسرت العين؛ لالتقاء الساكنين، وهو محتملٌ.
وقرأ أبو عمرو، وقالون، وأبو بكر : بكسر النون، وإخفاء حركة العين.
وروي عنهم الإسكان أيضاً، واختاره أبو عبيد، وحكاه لغةً للنبي - ﷺ - في [ نحو ] قوله :« نِعْمَّا المالُ الصالح مع الرجلِ الصالحِ ».
والجمهور على اختيار الاختلاس على الإِسكان، بل بعضهم يجعله من وهم الرواة عن أبي عمرو، وممَّن أنكره المبرد، والزجاج والفارسي، قالوا : لأنَّ فيه جمعاً بين ساكنين على غير حدِّهما. قال المبرد :« لا يَقْدِرُ أحدٌ أن يَنْطِقَ به، وإنما يَرُومُ الجمعَ بين ساكنين فيحرِّك، ولا يَشْعُر » وقال الفارشي :« لعل أبا عمرو أخفى فظنَّه الراوي سُكُوناً ».
وقد تقدَّم الكلام على « مَا » اللاحقة لنعم، وبئس. و « هي » مبتدأٌ ضميرٌ عائدٌ على الصدقات على حذف مضاف، أي : فنعم إبداؤها، ويجوز ألاَّ يقدَّر مضافٌ، بل يعود الضمير على « الصَّدَقَاتِ » بقصد صفة الإبداء، تقديره : فنعمَّا هي، أي : الصدقات المبداة. وجملة المدح خبرٌ عن « هي »، والرابط العموم، وهذا أولى الوجوه، وقد تقدَّم تحقيقها.


الصفحة التالية
Icon