وحمله المعتزلة على أنه يهدي بالإثابة، والألطاف، وزيادة الهدى؛ وهو مردودٌ بما قررناه.
قوله :﴿ فَلأَنْفُسِكُمْ ﴾ خبرٌ لمبتدأ محذوف، أي : فهو لأنفسكم شرط وجوابه، « والخَيْرُ » في هذه الآية المال؛ لأنه اقترن بذكر الإنفاق، فهذه القرينة تدل على أنه المال، ومتى لم يقترن بما يدلُّ على أنه المال، فلا يلزم أن يكون بمعنى المال؛ نحو قوله :﴿ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً ﴾ [ الفرقان : ٢٤ ] وقوله :﴿ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة : ٧ ] ونحوه.
وقوله :﴿ إِلاَّ ابتغآء ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعولٌ من أجله، أي : لأجل ابتغاء وجه الله، والشروط هنا موجودةٌ.
والثاني : أنه مصدرٌ في محلّ الحال، أي : إلاَّ مبتغين، وهو في الحالين استثناءٌ مفرَّغٌ، والمعنى : وما تنفقون نفقة معتداً بقبولها؛ إلاَّ ابتغاء وجه [ الله ]، أو يكون المخاطبون بهذا ناساً مخصوصين، وهم الصحابة، لأنهم كانوا كذلك، وإنما احتجنا إلى هذين التأويلين؛ لأنَّ كثيراً ينفق لابتغاء غير وجه الله.
قال بعض المفسرين : هذا جحدٌ لفظه نفيٌ، ومعناه نفيٌ، أي : لا تنفقوا إلاَّ ابتغاء وجه.
قوله :﴿ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾ تأكيدٌ وبيان؛ كقوله :﴿ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ ﴾.
وقوله :﴿ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾ جواب الشرط، وقد تقدَّم أنه يقال :« وَفَّى » بالتشديد و « وَفَى » بالتخفيف و « أَوْفَى » رباعياً.
وإنما حسن قوله :« إِلَيْكُمْ » مع التوفيه؛ لأنها تضمَّنت معنى التَّأدية، ومعناه يوفّ لكم جزاؤه في الآخرة.
وقوله :﴿ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ جملةٌ من مبتدأ، وخبرٍ : في محلِّ نصبٍ على الحال من الضمير في « إِلَيْكُمْ »، والعامل فيها « يُوَفَّ »، وهي تشبه الحال المؤكَّدة؛ لأنَّ معناها مفهومٌ من قوله :« يُوَفَّ إِلَيْكُم » ؛ لأنهم إذا وفُّوا حقوقهم، لم يظلموا. ويجوز أن تكون مستأنفة لا محلَّ لها من الإعراب، أخبرهم فيها أنه لا يقع عليهم ظلمٌ، فيندرج فيه توفية أجورهم؛ بسبب إنفاقهم في طاعة الله تعالى، اندراجاً أوَّلياً.

فصل في المراد من الآية


في معنى الآية وجوه :
الأول : أن معناه : ولستم في صدقتكم على أقاربكم من المشركين لا تقصدون إلاَّ وجه الله تعالى، وقد علم الله هذا من قلوبكم، فأنفقوا عليهم إذا كنتم إنما تبتغون بذلك وجه الله تعالى في صلة رحم، وسدِّ خلَّة مضطر، وليس عليكم اهتداؤهم، حتى يمنعكم ذلك من الإنفاق عليهم.
الثاني : أن هذا وإن كان ظاهره خبراً، إلاَّ أن معناه النهي، أي : ولا تنفقوا إلاَّ ابتغاء وجه الله وورود الخبر بمعنى الأمر، والنهي كثير؛ قال تعالى :﴿ والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾ [ البقرة : ٢٣٣ ] ﴿ والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ].
الثالث : معناه لا تكونوا منفقين مستحقين لهذا الاسم الذي يفيد المدح؛ حتى تبتغوا بذلك وجه الله.

فصل في ذكر الوجه في قوله ﴿ إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ الله ﴾


إذا قلت : فعلته : لوجه زيدٍ، فهو أشرف في الذكر من قولك : فعلته له؛ لأن وجه الشيء أشرف ما فيه، وإذا قلت : فعلت هذا الفعل له، فيحتمل أن يقال فعلته له ولغيره، أما إذا قلت : فعلت هذا الفعل لوجهه، فهذا يدل على أنَّك فعلت هذا الفعل له فقط وليس لغيره فيه شركةٌ.

فصل في بيان عدم صرف الزكاة لغير المسلم


أجمعوا على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلى غير مسلم؛ فتكون هذه الآية مختصةً بصدقة التطوع، وجوّز أبو حنيفة صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة، وأباه غيره؛ وعن بعض العلماء : لو كان شر خلق الله، لكان لك ثواب نفقتك.


الصفحة التالية
Icon