الثاني : قال قتادة - رحمه الله - وابن زيد : منعو أنفسهم من التصرفات في التجارة للمعاش؛ خوف العدوِّ؛ لأن الكفار كانوا مجتمعين حول المدينة، وكانوا متى وجدوهم، قتلوهم.
الثالث : قال سعيد بن جبير؛ وهو اختيار الكسائي : إنَّ هؤلاء القوم أصابتهم جراحاتٌ مع رسول الله - ﷺ - وصاروا زمنى، فأحصرهم المرض، والزمانة عن الضَّرب في الأرض.
الرابع : قال ابن عباس - رضي الله عنهما - هؤلاء القوم من المهجرين حبسهم الفقر عن الجهاد في سبيل الله، فعذرهم الله.
الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأرض ﴾ في هذه الجملة احتمالان :
أظهرهما : أنها حالٌ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : أنه « الفقراء »، وثانيهما : أنه مرفوع « أُحْصِرُوا ».
والاحتمال الثاني : أن تكون مستأنفة لا محلَّ لها من الإعراب؛ و « ضَرْباً » مفعولٌ به، وهو هنا السفر للتجارة؛ قال :[ الوافر ]
١٢٣٩- لَحِفْظُ المَالِ أَيْسَرُ مِنْ بَقَاهُ | وَضَرْبٌ في البِلاَدِ بِغَيْرِ زَادِ |
فصل في بيان عدم الاستطاعة في الآية
عدم استطاعتهم : إمَّا أن يكون لاشتغالهم بصلاح الدِّين، بأمر الجهاد؛ فيمنعهم من الاشتغال بالكسب والتجارة، وإمَّا لخوفهم من الأعداء، وإمَّا لمرضهم، وعجزهم؛ وعلى جميع الوجوه فلا شكَّ في احتياجهم إلى من يعينهم.
الصفة الثالثة : قوله :﴿ يَحْسَبُهُمُ ﴾ يجوز في هذه الجملة ما جاز فيما قبلها من الحالية والاستئناف، وكذلك ما بعدها.
« يَحْسَبُهُمْ » هو الظَّنُّ، أي : إنّهم من الانقباض، وترك المسألة، والتوكل على الله، بحيث يظنهم الجاهل أغنياء.
وقرأ ابن عامرٍ، وعاصمٌ، وحمزة :« يَحْسَبُ » - حيث ورد - بفتح السين، والباقون : بكسرها. فأمَّا القراءة الأولى؛ فجاءت على القياس؛ لأنَّ قياس فعل - بكسر العين - يفعل بفتحها لتتخالف الحركتان فيخفَّ اللفظ، وهي لغة تميم، والكسر لغة الحجاز، وبها قرأ رسول الله - صلى الله عيه وسلم -، وقد شذَّت ألفاظٌ أخر؛ جاءت في الماضي، والمضارع بكسر العين منها : نَعِم يَنْعِم، وبَئِس يَبْئِسُ، ويَئِسَ يَيْئِس، ويَبِس يَيْبِس من اليُبوسة، وعَمِد يَعْمِد، وقياسها كلُّها الفتح، واللغتان فصيحتان في الاستعمال، والقارئ بلغة الكسر اثنان من كبار النحاة : أبو عمرٍو - وكفى به -، والكسائي، وقارئا الحرمين : نافع، وابن كثير.
والجاهل هنا : اسم جنس لا يراد به واحدٌ بعينه.