وقرئ « وَمَنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ »، وقرأ أبو جعفرٍ « عُسْرَةٍ » بضم السين.
فصل
قال ابن الخطيب : لما كنتُ ب « خَوَارِزْم »، وكان هناك جمعٌ من أكابر الأدباء، فأوردت عليهم إشكالاً في هذا الباب؛ فقلت : إنكم تقولون : إنَّ « كان » إذا كانت ناقصةً، أنها تكون فعلاً؛ وهذا محالٌ؛ لأن الفعل ما دلَّ على اقتران حدثٍ بزمان، فقولك « كان » يدل على حصول معنى الكون في الزمان الماضي، وإذا أفاد هذا المعنى، كانت تامةً، لا ناقصةً، فهذا الدليل يقتضي أنها إن كانت فعلاً، كانت تامةً لا ناقصة، وإن لم تكن تامةً لم تكن فعلاً ألبتة؛ بل كانت حرفاً، وأنتم تنكرون ذلك؛ فبقوا في هذا الإشكال زماناً طويلاً، وصنَّفوا في الجواب عنه كتباً، وما أفلحوا فيه، ثم انكشف لي فيه سرٌّ أذكره - ها هنا - وهو : أنَّ « كانَ » لا معنى له إلاَّ أنه حدث، ووقع، ووجد إلاَّ أن قولك وجد، وحدث على قسمين :
أحدهما : أن يكون المعنى وجد، وحدث الشيء؛ كقولك : وجد الجوهر، وحدث العرض.
والثاني : أن يكون المعنى وجد، وحدث موصوفية الشيء بالشيء، فإذا قلت : كان زيدٌ عالماً، فمعناه : حدث في الزمان الماضي موصوفية زيد بالعلم.
والقسم الأول هو المسمَّى ب « كان » التامة.
والقسم الثاني : هو المسمَّى ب « الناقصة » وفي الحقيقة : فالمفهوم من « كان » في الموضعين هو الحدوث، والوقوع إلاَّ أنه في القسم الأول المراد حدوث الشيء في نفسه فلا جرم كان الاسم الواحد كافياً والمراد في القسم الثاني حدوث موصوفية أحد الأمرين بالآخر، فلا جرم لم يكن الاسم الواحد كافياً، بل لا بدَّ فيه من ذكر الاسمين حتى يمكنه أن يشير إلى موصوفية أحدهما بالآخر، وهذا من لطائف الأبحاث.
فأما إن قلنا إنه فعل، كان دالاًّ على وقوع المصدر في الزمان الماضي فحينئذٍ تكون تامةً لا ناقصةً، وإن قلنا إنه ليس بفعل بل حرفٌ، فكيف يدخل فيه الماضي والمستقبل، والأمر، وجميع خواصِّ الأفعال؟ وإذا حمل الأمر على ما قلناه، تبيَّن أنه فعلٌ وزال الإشكال بالكلية.
المفهوم الثالث ل « كان » أن تكون بمعنى « صَارَ » ؛ وأنشدوا :[ الطويل ]
١٢٧١- بِتَيْهَاءَ قَفْرٍ وَالمَطِيُّ كَأَنَّهَا | قَطَا الحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخاً بُيُوضُهَا |