﴿ فَسَجَدَ الملاائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [ الحجر : ٣٠ ] وقوله :﴿ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ].
الخامس : قال ابن الخطيب - رحمه الله تعالى - : إنَّ المداينة مفاعلة، وهي تتناول بيع الدَّين بالدَّين وهو باطلٌ، فلو قال إذا تداينتم لبقي النص مقصوراً على بيع الدين بالدين وهو باطلٌ، فلو قال إذا تداينتم لبقي النص مقصوراً على بيع الدين بالدين وهو باطل فلما قال :﴿ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ ﴾ كان المعنى : إذا تداينتم تدايناً يحصل فيه دين واحد وحينئذٍ يخرج عن بيع الدّين بالدين، ويبقى بيع العين بالدّين أو بيع الدّين بالعين، فإن الحاصل في كلِّ واحدٍ منهما دين واحد لا غير.
فإن قيل : إن كلمة « إذَا » لا تفيد العموم، والمراد من الآية العموم؛ لأن المعنى كلَّما تداينتم بدين فاكتبوه فلم عدل عن كلما وقال :﴿ إِذَا تَدَايَنتُم ﴾.
فالجواب : أنَّ كلمة « إِذَا »، وإن كانت لا تقتضي العموم إلا أنَّها لا تمنع من العموم، وها هنا قام الدَّليل على أنَّ المراد هو العموم؛ لأنه تعالى بين العلَّة في الأمر بالكتابة في آخر الآية، وهي قوله تعالى :﴿ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وأدنى أَلاَّ ترتابوا ﴾ والمعنى إذا وقعت المعاملة بالدّين، ولم يكتب فالظَّاهر أنه تنسى الكيفيَّة فربَّما توهم الزِّيادة، فطلب الزِّيادة ظلماً، وربَّما توهم النُّقصان، فترك حقَّه من غير حمد ولا أجر، فأمَّا إذا كتب كيفيَّة الواقعة أمن من هذه المحذورات، فلمَّا دلَّ النَّصُّ على أن هذا هو العلَّة، وهي قائمةٌ في الكلّ كان الحكم أيضاً حاصلاً في الكلِّ.
قوله تعالى :﴿ إلى أَجَلٍ ﴾ : متعلِّق بتداينتم، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه صفة لدين، و ﴿ مُّسَمًّى ﴾ صفة لدين، فيكون قد قدَّم الصفة المؤولة على الصَّريحة، وهو ضعيفٌ، فكان الوجه الأول أوجه.
والأجل : في اللغة هو الوقت المضروب لانقضاء الأمد، وأجل الإنسان هو الوقت لانقضاء عمره، وأجل الدّين لوقت معيَّن في المستقبل، وأصله من التَّأخير يقال : أجل الشَّيء بأجل أجولاً إذا تأخَّر، والآجل : نقيض العاجل.
فإن قيل : المداينة لا تكون إلا مؤجلة، فما فائدة ذكر الأجل المداينة؟
فالجواب : إنَّما ذكر الأجل ليمكنه أن يصفه بقوله ﴿ مُّسَمًّى ﴾ والفائدة ف يقوله ﴿ مُّسَمًّى ﴾ ليعلم أنَّ من حقّ الأجل أن يكون [ معلوماً ] كالتَّوقيت بالسَّنة، والأشهر، والأيَّام، فلو قال إلى الحصاد، أو إلى الدياس، أو إلى رجوع قدوم الحاج؛ لم يجز لعدم التَّسمية.
وألف « مُسَمًّى » منقلبةٌ عن ياءٍ، تلك الياء منقلبةٌ عن واو؛ لأنه من التَّسمية، وقد تقدَّم أنَّ المادَّة من سما يسمو.

فصل


والأجل يلزم في الثَّمن في البيع، وفي السّلم بحيث لا يكون لصاحب الحقّ الطلب قبل محله، وفي القرض، لا يلزم الأجل عن أكثر أهل العلم.
قال القرطبي : شروط السّلم تسعة، ستّة في المسلم فيه، وثلاثة في رأس مال السّلم.


الصفحة التالية
Icon