أمَّا السِّتَّة التي في المسلم فيه فأن يكون في الذِّمَّة، وأن يكون موصوفاً، وأن يكون الأجل معلوماً، وأن يكون الأجل معلوماً، وأن يكون مؤجّلاً، وأن يكون عام الوجود عند الأجل، وأمَّا الثلاثة التي في رأس مال السلم، فأن يكون معلوم الجنس، معلوم المقدار، وأن يكون نقداً.
قوله :﴿ فاكتبوه ﴾ الضَّمير يعود على « بِدَيْنٍ ».
فصل
أمر الله تعالى في المداينة بأمرين :
أحدهما : الكتابة بقوله :﴿ فاكتبوه ﴾.
الثاني : الإشهاد. بقوله :﴿ واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾، وفائدة الكتابة والإشهاد أنَّ دخول الأجل تتأخّر فيه المطالبة، ويتخلَّله النِّسيان ويدخله الجحد، فالكتابة سبب لحفظ المال من الجانبين، لأنَّ صاحب الدّين إذا علم أنَّ حقّه مقيّد بالكتابة، والإشهاد تحذر من طلب زيادة، ومن تقديم المطالبة قبل حلول الأجل، والمديون يحذر من الجحد، ويأخذ قبل حلول الدّين في تحصيل المال ليتمكن من أدائه وقت الحلول.
فصل
القائلون بأن ظاهر الأمر النَّدب، لا إشكال عليهم، واختلف القائلون بأن ظاهر الأمر الوجوب، فقال عطاء، وابن جريج والنَّخعي بوجوب الكتابة، وهو اختيار محمد بن جرير الطَّبري، قال النَّخعي : يشهد، ولو على دُسْتَجةِ بَقْلٍ.
وقال جمهور الفقهاء : هذا أمر ندب؛ لأنّا نرى جمهور المسلمين في جميع ديار المسلمين يبيعون بالأثمان المؤجَّلة من غير كتابة، ولا إشهاد، وذلك إجماعٌ على عدم وجوبها، ولأنَّ في إيجابها حرجٌ شديدٌ، ومشقَّة عظيمةٌ. وقال تعالى :﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ ﴾ [ الحج : ٧٨ ].
وقال ﷺ :« بُعِثْتُ بالحنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ ».
وقال الحسن، والشَّعبيُّ، والحكم بن عتيبة : كانا واجبين ثمّ نسخا بقوله :﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن أَمَانَتَهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٣ ].
وقال التيمي : سألت الحسن عنها فقال : إن شاء أشهد، وإن شاء لم يشهد، ألا تسمع قوله تعالى :﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً ﴾ [ البقرة : ٢٨٣ ].
فصل
لما أمر الله تعالى بكتابة هذه المداينة؛ اعتبر في الكتابة شرطين :
الأولَّل : أن يكون الكاتب عدلاً لقوله :﴿ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالعدل ﴾ وذلك أنَّ قوله تعالى :﴿ فاكتبوه ﴾ ظاهره يقتضي أنَّه يجب على كلِّ أحدٍ أن يكتب، لكن ذلك غير ممكنٍ، فقد يكون ذلك الإنسان غير كاتب، فصار معنى قوله :﴿ فاكتبوه ﴾، أي : لا بدَّ من حصول هذه الكتابة وهو كقوله تعالى :﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ] فإن ظاهره، وإن كان يقتضي خطاب الكلّ بهذا الفعل، إلاَّ أنَّا علمنا أنَّ المقصود منه أنَّه لا بدَّ من حصول قطع اليد من إنسان واحد، إمَّا الإمام، أو نائبه أو المولى، فكذا ها هنا.
ويؤكِّد هذا قوله تعالى :﴿ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالعدل ﴾ فإنَّه يدلُّ على أنَّ المقصود حصول الكتابة من أيّ سخصٍ كان.
قوله :﴿ بالعدل ﴾ فيه أوجهٌ :
أحدها : أن يكون الجارُّ متعلّقاً بالفعل قبله. قال أبو البقاء :« بالعَدْلِ متعلِّق بقوله : فليكتب، أي : ليكتب بالحقِّ، فيجوز أن يكون حالاً، أي : ليكتب عادلاً، ويجوز أن يكون مفعولاً به أي : بسبب العدل ».