ولمَّا أبهم الفاعل في قوله :« أَنْ تَضِلَّ إحداهما » أَبْهَمَ أيضاً في قوله :« فَتُذَكِّرَ إحداهما » ؛ لأنَّ كلاًّ من المَرْأَتين يجوزُ [ عليها ما يجوزُ ] على صاحبتها من الإِضلالِ، والإِذكارِ، والمعنى : إن ضلَّت هذه أَذْكَرَتْها هذه، فَدَخَلَ الكلامَ معنى العموم.
قال أبو البقاء : فإنْ قيل : لِمَ يَقُلْ :« فَتُذَكِّرَها الأُخرَى » ؟ قيل فيه وجهان :
أحدهما : أَنَّهُ أَعاد الظَّاهر، ليدلَّ على الإِبهام في الذِّكر والنّسيان، ولو أَضمرَ لتعَيَّن عودُه على المذكور.
والثاني : أنه وضع الظَّاهر موضع المضمرِ، تقديره :« فَتُذَكِّرهَا » وهذا يَدُلُّ على أن « إحداهما » الثانية مفعولٌ مقدمٌ، ولا يجوزُ أن يكونَ فاعلاً في هذا الوجه؛ لأنَّ المُضَمرَ هو المُظْهَرُ بعينه، والمُظْهَرُ الأول فاعل « تضِلَّ »، فلو جعل الضَّمير لذلك المظهر؛ لكانت النَّاسيةُ حقاً هي المُذَكِّرَة، وهو مُحالٌ قال شهاب الدين - رحمه الله تعالى - : وقد يتبادرُ إلى الذهن أنَّ الوجهين راجعان لوجهٍ واحدٍ قبل التأمُّل؛ لأنَّ قوله :« أَعادَ الظَّاهِرُ » قريبٌ من قوله :« وَضَعَ الظاهرَ مَوْضِعَ المضمر ».
و « إِحْدَى » تأنيثُ « الواحِد » قال الفارسيُّ : أَنَّثُوه على غيره بنائِه، وفي هذا نظرٌ، بل هو تأنيثُ « أحَد » يقابُلونها به في : أحد عشرَ وإحدى عشرة وأحدٍ وعشرين وإحدى وعشرين، وتُجْمَعُ « إِحْدَى » على « إِحَد » نحو : كِسْرَة وكِسَر.
قال أبو العباس :« جَعَلُوا الألفَ في الإِحْدَى بمنزلةِ التاء في » الكِسْرَة «، فقالوا في جمعها :» إِحَد « ؛ كما قالُوا : كِسْرَة وكِسَر؛ كما جعلوا مثلها في الكُبْرَى والكُبَر، والعُلْيا والعُلَى، فكما جعلوا هذه كظُلمة، وظُلَم جعلوا الأولَ كسِدْرَة وسِدَر » قال :« وكَمَا جعلوا الألف المقصُورة بمنزلةِ التَّاءِ فيما ذُكِر؛ وجعلوا الممدودةَ أيضاً بمنزلتها في قولهم » قَاصِعَاء وقَوَاصع « و » دَامَّاء ودَوَامّ «، يعني : أنَّ فاعلة نحو : ضارِبَة تُجمع على ضَوارِب، كذا فاعِلاَء؛ نحو : قاصِعَاء، ورَاهِطَاء تُجْمَعُ على فَوَاعِل؛ وأنشد ابن الأعرابيّ على إحدى وإِحَد قول الشاعر :[ الرجز ]
١٢٨٦- حَتَّى اسْتَثَارُوا بِيَ إِحْدَى الإِحَدِ | لَيْثاً هِزَبْراً ذَا سِلاَحٍ مُعْتدِي |