و ﴿ صَغِيراً أَو كَبِيرا ﴾ حالٌ، أي : على أيّ حالٍ كان الدَّين قليلاً أو كثيراً، وعلى أيِّ حالٍ كان الكتاب مختصراً، أو مشبعاً، وجوَّز السَّجاونديُّ انتصابه على خبر « كان » مضمرةٌ، وهذا لا حاجة تدعو إليه، وليس من مواضع إضمارها.
وقرأ السُّلميُّ :« وَلاَ يَسْأَمُوا أَنْ يَكْتبُوهُ » بالياء من تحت فيهما. والفاعل على هذه القراءة ضمير الشُّهداء، ويجوز أن يكون من باب الالتفات، فيعود : إمَّا على المتعاملين وإمَّا على الكتَّاب.

فصل


والمقصود من الآية الكريمة الحثُّ على الكتابة قلَّ المال، أو كثر، فإنَّ النِّزاع في المال القليل ربَّما أدَّى إلى فسادٍ عظيم، ولجاج شديد.
فإن قيل : هل تدخل الحبة والقيراط في هذا الأمر؟
فالجواب : لا، لعدم جريان العادة به.
قوله :﴿ إلى أَجَلِهِ ﴾ فيه ثلاثة أوجهٍ :
أظهرها : أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ، أي : أن تكتبوه مستقرّاً في الذّمَّة إلى أجل حلوله.
والثاني : أنه متعلِّقٌ بتكتبوه، قاله أبو البقاء. وردَّه أبو حيان فقال :« متعلقٌ بمحذوفٍ لا ب » تَكْتُبُوهُ « لعدم استمرار الكتابة إلى أجل الدَّين، إذ ينقضي في زمن يسير، فليس نظير : سِرْتُ إلى الكُوفَةِ ».
والثالث : أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الهاء، قاله أبو البقاء.
قوله :« ذَلِكم » مشارٌ به لأقرب مذكورٍ وهو الكتب.
وقال القفَّال : إليه وإلى الإشهاد.
وقيل : إلى جميع ما ذكر وهو أحسن. و « أَقْسَطُ » قيل : هو من أقسط إذا عدل، ولا يكون من قسط، [ لأن قسط ] بمعنى جار، وأقسط بمعنى عدل، فتكون الهمزة للسَّلب، إلا أنه يلزم بناء أفعل من الرباعي، وهو شاذٌّ.
قال الزَّمخشريُّ :« فإن قلتَ ممَّ بني أفعلا التّفضيل - أعني أقسط وأقوم؟ - قلت : يجوز على مذهب سيبويه أن يكونا مبنيّين من » أَقْسَطَ «، و » أَقَامَ « وأن يكون » أَقْسَط « من قاسط على طريقة النَّسب بمعنى : ذي قسطٍ؛ و » أَقْوَم « من قويم ». قال أبو حيَّان رحمه الله : لم ينصَّ سيبويه على أنَّ أفعل التّفضيل يبنى من « أَفْعل »، إنَّما يؤخذ ذلك بالاستدلال، فإنَّه نصَّ في أوائل كتابه على أنَّ « أَفْعَل » للتعجب يكون من فَعَلَ وفَعِلَ وفَعُلَ وأَفْعَلَ، فظاهر هذا أن « أَفْعَل » للتعجب يبنى منه أفعل للتَّفضيل، فما جاز في التَّعجُّب، وأفعل التَّفضيل من أفعل على ثلاثة مذاهب : الجواز مطلقاً، والمنع مطلقاً، والتفضيل بين أن تكون الهمزة للنَّقل، فيمتنع، أو لا فيجوز، وعليه يؤوَّل الكلام، أي : كلام سيبويه، حيث قال :« إنه يبنى من أفعل »، أي : الذي همزته لغير التَّعدية. ومن منع مطلقاً قال :« لم يَقُلْ سيبويه، وأفعل بصيغة الماضي » إنَّما قالها أفعل بصيغة الأمر، فالتبس على السَّامع، يعني : أنه يكون فعل التّعجب على أفعل، بناؤه من فَعَلَ، وفَعِل، وفَعُل، وعلى أَفْعِلْ.


الصفحة التالية
Icon