والثالث : أن يكونَ « آثِمٌ » خبرَ « إِنَّ »، وفيه ضميرٌ يعودُ على ما تعودُ عليه الهاء في « إِنَّهُ »، و « قَلْبُهُ » بدلٌ من ذلك الضمير المستترِ بدلُ بعضٍ من كُلٍّ.
الرابع :[ أن يكونَ ] « آثمٌ » مبتدأً، و « قَلْبُهُ » فاعلٌ سدَّ مسدَّ الخبر، والجملةُ خبرُ « إِنَّ »، قاله ابن عطية، وهو لا يجوزُ عند البصريِّين؛ لأنَّه لا يعملُ عندهم اسمُ الفاعل، إلا إذا اعتمد على نفي، أو استفهام؛ نحو : ما قائِمٌ أَبَوَاكَ، وهَلْ قائِمٌ أَخَوَاكَ؟ وَمَا قَائِمٌ قَوْمُكَ، وَهَلْ ضَارِبٌ إِخْوَتُكَ؟ وإنما يجوزُ هذا عند الفراءِ من الكوفيين، والأخفشِ من البصريِّين؛ إذ يجيزانِ : قائمٌ الزَّيدانِ، وقائِمٌ الزَّيدُونَ، فكذلك في الآية الكريمة.
وقرأ ابن عبلة :« قَلْبَهُ » بالنصب، نسبها إليه ابن عطيَّة.
وفي نصبه ثلاثةُ أوجه :
أحدها : أنه بدلٌ من اسم « إِنَّ » بدلُ بعض من كلٍّ، ولا محذورَ في الفصلِ [ بالخبر - وهو آثِمٌ - بين البدلِ والمبدلِ منه، كما لا محذورَ في الفصل ] به بين النعتِ والمنعوتِ، نحو : زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ العَاقِلُ مع أنَّ العاملَ في النعت والمنعوت واحدٌ؛ بخلافِ البدلِ والمبدلِ منه؛ فإنَّ الصحيحَ أنَّ العاملَ في البدلِ غيرُ العاملِ في المُبدلِ منه.
الثاني : أنه منصوبٌ على التشبيه بالمفعولِ به؛ كقولك :« مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسَنٍ وَجْهَهُ »، وفي هذا الوجه خلافٌ مشهورٌ :
فمذهب الكوفيين : الجواز مُطْلَقاً، أعني نظماً ونَثْراً. ومذهبُ المبرد المنع مطلقاً، ومذهب سيبويه : منع في النثر، وجوازه في الشعرِ، وأنشد الكسائي على ذلك :[ الرجز ]
١٣٠٠- أَنْعَتُهَا إِنِّيَ مِنْ نُعَّاتِهَا | مُدَارَةَ الأَخْفَافِ مُجْمَرَّاتِهَا |
غُلْبَ الرِّقَابِ وَعَفْرْنِيَّاتِهَا | كُومَ الذُّرَى وَادِقَةَ سُرَّاتِهَا |
الثالث : أنه منصوبٌ على التمييز حكاه مكيٌّ وغيره؛ وضعَّفوه بأنَّ التمييز لا يكونُ إلا نكرةً، وهذا عند البصريِّين، وأمَّا الكوفيون فلا يَشْتَرطون تنكيرَه، ومنه عندهم :﴿ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [ البقرة : ١٣٠ ] و ﴿ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾ [ القصص : ٥٨ ] ؛ وأنشدوا قوله :[ الوافر ]
١٣٠١- إِلَى رُدُحٍ مِنَ الشِّيزَى مِلاَءٍ | لُبَابَ البُرِّ يُلْبَكُ بِالشِّهَادِ |
وقد اشتملَتْ هذه الآياتُ على أنواع من البديع : منها : التجنيسُ المغايرُ في « تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ »، ونظائره، والمماثلُ في قوله :﴿ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهادة وَمَن يَكْتُمْهَا ﴾، والطباقُ في « تَضِلَّ » و « تُذَكِّرَ » و « صَغِيراً وكَبِيراً »، وقرأ السُّلمِيُّ أيضاً :« واللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ » بالغَيبَة؛ جرياً على قراءته بالغَيْبَة.