قوله :﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ﴾ يجوز أن يرتفع « زيغ » بالفاعلية؛ لأن الجار قبله صلة لموصول، ويجوز أن يكون مبتدأ، وخبره الجار قبله.
قوله « الزيغ » قيل : المَيْل [ مطلقاً ]، وقال بعضهم : هو أخَصُّ من مطلق الميل؛ فإن الزيع لا يقال إلا لما كان من حق إلى باطل.
قال الراغب :« الزيغُ : الميلُ عن الاستقامة إلى أحد الجانبين، وزاغَ وزالَ ومالَمتقاربٌ، لكن زاغ لا يقال إلا فيما كان من حق إلى باطل » انتهى. يقال : زاغ يَزيغُ زَيْغاً، وزَيْغُوغَةً وزَيغَاناً، وزُيوغاً.
قال الفراء : والعرب تقول في عامة ذواتِ الياء - فيما يُشْبه زِغْت - مثل : سِرْتُ، وصِرْتُ، وطِرْتُ : سَيْرورة، وصَيْرورة، وطَيْرُورة، وحِدت حَيْدودة، ومِلت ميلولة.. لا أحصي ذلك، فأما ذواتُ الواوِ مثل قُلْت، ورُضْت، فإنهم لم يقولوا ذلك إلا في أربعة ألفاظٍ : الكَيْنُونة والدَّيْمومة - من دام والهَيْعُوعَة - من الهُوَاع، والسَّيْدودَة - من سُدت-، ثم ذكر كلاماً كثيراً غير متعلق بما نحن فيه. وقد تقدم الكلام على هذا المصدر، وأنه قد سمع في هذا المصدرِ الأصل - وهو كَينُونة - في قول الشاعر :[ الرجز ]

١٣٢٥ - يَا لَيْتَنَا قَدْ ضَمَّنَا سَفِينَهْ حَتَّى يَعُودَ الوَصل كَيَّنُنَهْ
قوله :« ما تشابه » مفعول الاتباع، وهي موصولة، أو موصوفة، ولا تكون مصدريةً؛ لعَوْد الضمير من « تشابه » عليها، إلا على رأيٍ ضعيفٍ، و « مِنه » حال من فاعل « تَشَابه » أي تشابه حال كونه بعضه.
قوله :« ابْتِغَاءَ » منصوب على المفعول له، أي : لأجل الابتغاء، وهو مصدر مضاف لمفعوله. والتأويل : مصدر أوَّل يُؤوِّلُ، وفي اشتقاقه قولان :
أحدهما : أنه من آل يَئُولُ أوْلاً، ومآلاً، أي : عَادَ، ورجع، وآلُ الرجلِ من هذا - عند بعضهم إلا أنهم يرجعون إليه في مُهِمَّاتِهِم ويقولون : أولتُ الشيء : أَي : صرفته لوجهٍ لائقٍ به فانصرف، قال الشاعر :[ السريع ]
١٣٢٦ - أؤَوِّلُ الْحُكْمَ عَلَى وَجْهِهِ لَيْسَ قَضَائِي بِالْهَوَى الْجَائِرِ
وقال بعضهم : أوَّلت الشيء، فتأول، فجعل مطاوعه تفعل، وعلى الأول مطاوعه فعل، وأنشد الأعشى :[ الطويل ]
١٣٢٧ - عَلَى أنَّهَا كَانَتْ تَأوَّلُ حُبَّهَا تَأوُّلَ رِبْعِيِّ السِّقَابِ فأصْحَبَا
أي : يعني أن حبها كان صغيراً، قليلاً، فآل إلى العِظَم كما يَئُول السَّقْبُ إلى الكِبر، ثم قد يُطْلَق على العاقبة، والمردِّ؛ لأنَّ الأمر يصير إليهما.
الثاني : أنه مشتق من الإيَالَةِ، وهي السياسةُ، تقول العر : قَدْ ألْنَا وَإيلَ عَلَيْنَا، أي : سُسْنَا وساسَنا غيرُنا، وكأن المؤوِّلَ للكلام سايسهُ، والقادر عليه، وواضِعه موضعَه، نُقِل ذلك عن النضر بن شميل.
وفرق الناس بين التفسير والتأويل في الاصطلاح بأن التفسير مقتصر به على ما لا يُعْلَم إلاَّ بالتوقيف كأسباب النزول، ومدلولات الألفاظ، وليس للرأي فيه مَدْخَل، والتأويل يجوز لمن حصلت عنده صفة أهلِ العلمِ، وأدواتٌ يقدر أن يتكلم بها إذا رجع بها إلى أصولٍ وقواعدَ.


الصفحة التالية
Icon