فصل
روى ابنُ عباسٍ : أن رَهْطاً من اليهود منهم حُيَيّ بنُ أخْطَبَ، وكعبُ بنُ الأشرف ونظراؤهما أتوا النبيَّ ﷺ فقال له حُيَيّ : بلغنا أنه نزلَ عليك الم، فننشدك الله، أنزل عليك؟ قال : نَعَمْ، قال : فإن كان ذلك حقاً فأنا أعلم مدّة مُلْك أمتك، هي إحْدى وسبعون سنة فهل أنزل غيرُها؟ قال : نعم، المص، قال : هذه أكثر، هي مائة وإحدى وثلاثون سنة، فهل أنزل غيرها؟ قال : نعم، المر، قال : هذه أكثر، هي مائتان وإحدى وسبعون سنة، وقد خَلَّطتَ علينا، فلا ندري ابكثيره نأخذ، أم بقليله ونحن ممن لا يُؤمن بهذا؟ فأنزلَ الله ﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾.
وقال الربيع : هم وَفْدُ نجرانَ، خاصموا النبيَّ ﷺ في عيسى، وقالوا : ألست تزعم أنه كلمةُ الله وروح منه؟ قال : بلى، قالوا : حَسْبُنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ثم أنزل :﴿ إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ].
قال ابن جريج : هم المنافقون.
وقال الحسن : هم الخوارج، وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ﴾ قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري مَنْ هُمْ، وقال المحققون : إن هذا يَعُم جميعَ المبطلين، قالت عائشة : تلا رسول الله ﷺ هذه الآيةَ منه آيات محكمة هي أم الكتاب وأخر متشابهات إلى قوله : أولي الألباب ﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب ﴾ فقال رسول الله :« فَإذَا رَأيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأولَئِكَ الذين سمى الله فاحذرهم » وعن أبي غالب قال :« كنت أمشي مع أبي أمامة، وهو على حمار حتى إذا انتهى إلى درج مسجد دمشق، فإذا رؤوسٌ منصوبة، فقال : ما هذه الرؤوس؟ قيل : هذه رؤوس يُجاء بهم من العراق، فقال أبو أمامة : كلابُ النار، كلابُ النار، [ كلابُ النار ] أو قتلى تحت ظل السماء، طوبى لمن قَتَلهم وقتلوه - يقولها ثلاثاً - ثم بكى، فقلت : ما يُبْكيك يا أبا أمامة؟ قال : رحمةً لهم؛ إنهم كانوا من أهل الإسلام، فخرجوا منه، ثم قرأ :﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب ﴾ الآية، ثم قرأ :﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كالذين تَفَرَّقُواْ واختلفوا مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ البينات ﴾ [ آل عمران : ١٠٥ ]، فقلت : يا أبا أمامة، هم هؤلاء؟ قال : نعم، قلت : أشيء تقوله برأيك، أم شيء سمعته من رسول اله ﷺ ؟ فقال : إني إذَنْ لَجرِيء، إني إذاً لَجَريءٌ، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه سولم غيرَ مرةٍ ولا مرتين، ولا ثلاث، ولا أربع، ولا خمس، ولا ست، ولا سبع، ووضع أصبعيه في أذنيه، قال : وإلا فَصُمَّتَا، قالها ثلاثاً - ثم قال : سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول