في كاف « كَدَأب » وجهانِ :
أحدهما : أنها في محل رَفْع؛ خَبَراً لِمبتدأ مُضْمَر، تقديره : دأبهم - في ذلك « كَدَأبِ آلِ فِرعَوْن » وبه بدأ الزمخشريُّ، وابنُ عطية.
الثاني : أنها في محل نَصْب، وفي الناصب لها تسعةُ أقوالٍ :
أحدها : أنها نَعْتٌ لمصدر محذوف، والعامل فيه « كَفَرُوا »، تقديره : إنَّ الذين كفروا كُفْراً كدأب آل فرعون، أي : كعادتهم في الكفر، وهو رأي الفرَّاءِ.
وهذا القول مردود بأنه قد أخبر عن الموصول قبل تمام صلته، فلزم الفصلُ بينَ أبْعَاضِ العلةِ بالأجنبيِّ، وهو لا يجوز.
الثاني : أنه مصوب ب « كَفَرُوا » لكن مقدر؛ لدلالة هذا الملفوظ به عليه.
الثالث : أن الناصبَ مقدَّر، مدلول عليه بقوله :« لَنْ تُغْنِيَ » أي : بطل النتفاعهم بالأموالِ والأولادِ كعادة آل فرعونَ في ذلك. والمعنى : إنكم قد عرفتم ما حلَّ بآل فرعون ومَنْ قبلَهم من المكذبين بالرسل - من العذاب المعجل الذي عنده - لم ينفعهم مال ولا ولد.
الرابع : أنه منصوب بلفظ « وَقُودُ »، أي : تُوقَد النارُ بهم كما توقد بآل فرعون، كما تقول : إنك لتظلم الناس كدأبِ أبيك، تريد : كظلم أبيك، قاله الزمخشريُّ، وفيه نظر؛ لأن الوقود - على القراءة المشهورة - الأظهر فيه أنه اسم لِما يوقد به، وإذا كان اسماً فلا عَمَل له، فإن قيل : إنه مصدر على قراءة الحَسن صَحَّ، ويكون معنى الدأب : الدؤوب - وهو اللُّبْثُ والدوام، وطول البقاء في الشيء - وتقدير الآية :« وَأُولَئِكَ هُم وَقُودُ كَدَأْبِ آل فِرْعَونَ ».
[ أي : دؤوبهم في النار كدأب آل فرعون ].
الخامس : أنه منصوب بنفس « لَنْ تُغْنِي » أي : لن تغني عنهم مثل ما لم تُغنِ عن أولئك، ذكره الزمخشري، وضعَّفه أبو حيَّان بلزوم الفصل بين العامل ومعموله بالجملة - التي هي قوله :﴿ وأولئك هُمْ وَقُودُ النار ﴾ قال :« على أي التقديرين اللَّذَيْنِ قدرناهما فيهما من أن تكون معطوفة على خبر » إنَّ « أو على الجملة المؤكَّدة ب » إنَّ « قال : فإن جعلتها اعتراضيةً - وهو بعيد - جازَ ما قال الزمخشريُّ ».
السادس : أن يكون العامل فيها فعلاً مقدَّراً، مدلولاً عليه بلفظ « الوَقُود »، تقديره : توقَد بهم كعادة آل فرعون، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق، قاله ابنُ عطية.
السابع : أن العامل يُعَذَّبُونَ كعادةِ آل فرعونَ، يدل عليه سياق الكلام.
الثامن : أنه منصوب ﴿ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، والضمير في « كَذَّبُوا » - على هذا - لكفار مكة وغيرهم من معاصِرِي رسولِ الله ﷺ - أي : كذبوا تكذيباً كعادة آل فرعونَ في ذلك التكذيب.