« قَدْ كَانَ » جواب قسم محذوفٍ، و « آيَةٌ » اسم « كان » ولم يُؤنث الفعلُ؛ لأن تأنيث الآية مجازيٌّ، ولأنها بمعنى الدليل والبرهان.
فهذا كقول امرئِ القيسِ :[ المتقارب ]

١٣٥٠ - بَرَهْرَهَةٌ، رُؤدَةٌ، رَخْصَةٌ كَخُرُعُوبَةِ الْبَانَةِ الْمُنْفَطِرْ
قال الأصمعي :« البَرَهْرَهَةُ : الممتلِئَة المُتَرَجْرِجَة، والرُّؤدَة، والرادة : الناعمة ».
قال أبو عمرو : وإنما قال : الْمُنْفَطِر، ولم يقل : المنفطرة؛ لأنه رَدٌّ على القضيب، فكأنه قال : البان المنفطر، والخرعوبة : القضيب، والمنفطر : الذي ينفطر بالورق، وهو ألين ما يكون.
قال أبو حيّان : أوَّل البانةَ بمعنى القضيب، فلذلك ذكر المنفطر، ولوجود الفصل ب « لَكُم » فإن الفصلَ مسوغ لذلك مع كون التأنيث حقيقيًّا، كقوله :[ البسيط ]
١٣٥١ - إنَّ امْرَأ غَرَّهُ مِنكُنَّ وَاحِدَةٌ بَعْدِي وَبَعْدَكِ فِي الدُّنْيا لَمَغْرُورُ
وقال بعضهم : محمول على المعنى، والمعنى : قد كان لكم بيانُ هَذه الآيةِ.
وفي خبر « كان » وَجهَانِ :
أحدهما : أنه « لَكُم » و « فِي فِئَتَيْنِ » في محل رفع نَعْتاً لِ « آيَةٌ ».
والثاني : أنه « فِي فِئَتَيْنِ » وفي « لَكُمْ » وجهانِ :
أحدهما : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من « آية » ؛ لأنه - في الأصل - صفة لآية، فلمَّا تقدَّم نُصِبَ حَالاً.
الثاني : أنه متعلق ب « كان » ذكره أبو البقاء، وهذا عند مَنْ يَرَى أنها تعمل في الظرف وحرف الجر ولكن في جَعْل « فِي فِئَتَيْنِ » الخَبَرَ إشْكالٌ، وهو أن حكم اسم « كان » حكم المبتدأ، فلا يجوز، أن يكونَا اسماً لها إلا ما جاز الابتداء به، وهنا لو جعلت « آية » مبتدأ، وما بعدها خبراً لم يجز؛ إذْ لا مُسَوِّغَ لربتداء بهذه النكرة، بخلاف ما إذا جَعَلْتَ « لَكُم » الخبرَ، فإنَّه جائز لوجود المسوِّغ، وهو تقدُّمُ الخبرِ حرفَ جَرٍّ.
قوله :﴿ التقتا ﴾ في محل جر، صفة ل « فِئَتَيْنِ »، أي : فئتين ملتقيتين، يعني بالفئتين المسلمين والمشركين يوم بَدر.
قوله :﴿ فِئَةٌ تُقَاتِلُ ﴾ العامة على رفع « فِئَةٌ » وفيها أوجُه :
أحدها : أن تَرْتَفِعَ على البدل من فاعل « الْتَقَتَا »، وعلى هذا فلا بد من ضمير محذوف يعود على « فِئَتَيْنِ » المتقدمتين في الذكر؛ ليسوغ الوصف بالجملة؛ إذ لو لم يقدَّر ذلك لما صَحَّ؛ لخلو الجملة الوصفية من ضمير، والتقدير : في فئتين التقت فئةٌ منهما مؤمنة، وفئة أخرى كافرة.
الثاني : أن يرتفع على خبر ابتداء مُضْمَرٍ، تقديره : إحداهما فئةٌ تقاتل، فقطع الكلام عن أوله، ومِثْلُه ما أنشده الفرّاء على ذلك :[ الطويل ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
١٣٥٢ - إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَيْنِ شَامِتٌ وَآخَرُ مُثنٍ بالذي كُنْتُ أصْنَعُ