﴿ وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٤٤ ]، فكيف يقال - هنا - إنه يكثرهم؟ فيعود الجواب المتقدم باختلاف الحالتين، وهو أنه قللهم أولاً، ليجترئ عليهم الكفارُ، فلما التقى الجمعان كثرهم في أعينهم؛ ليحصل لهم الخَوَرُ والفَشَلُ.
الرابع : كالثالث، إلا أن الضمير في « مثليهم » يعود على المشركين، فيعودُ ذلك السؤالُ، وهو أنه كان ينبغي أن يقال : مثليكم، ليطابق الكلام، فيعود الجوابان.
وهما : إما الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وإما عوده على الفئة الكافرة؛ لأنها عبارة عن المشركين، كما كان ذلك الضمير عبارة عن الفئة المقاتلة، ويكون التقدير : ترون - أيها المشركون - المؤمنين مثلي فئتكم الكافرة. وعلى هذا فيكونون قد رَأوا المؤمنين مثلي أنفسِ المشركين - ألفين ونيفاً - وهذا مَدَدٌ من الله تعالى، حيثُ أرى الكفارَ المؤمنين مثلي عدد المشركين، حتى فشلوا، وجبنوا، فطمع المسلمون فيهم، فانتصروا عليهم، ويؤيده قوله تعالى :﴿ والله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ [ آل عمران : ١٣ ] الإرادة - هنا - بمنزلة المدد بالملائكة في النصرة بكليهما، ويعود السؤال، وهو كيف كثرهم إلى هذه الغايةِ مع قوله - في الأنفال- :﴿ وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٤٤ ] ؟ ويعود الجواب.
الخامس : أن الخطاب في « لَكُم » و « تَرَوْنَهُمْ » لليهود، والضميران - المنصوب والمجرور - على هذا عائدان على المسلمين، على معنى : ترونهم - لو رأيتموهم - مثليهم، وفي هذا التقدير تكلُّف لا حاجة إليه.
وكأن هذا القائل اختار أن يكون الخطاب في الآية المتقدمة - وهي قوله :﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ ﴾ - ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ ﴾ - لليهود، فجعله في « تَرَوْنَهُم » لهم - أيضاً - ولكن الخروج من خطاب اليهود إلى خطاب قوم آخرين أوْلَى من هذا التقدير المتكلف؛ لأن اليهود لم يكونوا حاضري الوقعةِ، حتى يُخَاطَبُوا برؤيتهم لهم كذلك، ويجوز - على هذا القول - أن يكون الضمير - المنصوب والمجرور - عائدَيْن على الكفار، أي : أنهم كُثِّرَ في أعينهم الكفارُ، حتى صاروا مثلي عدد المؤمنين، ومع ذلك غلبهم المؤمنون، وانتصروا عليهم، فهو أبلغ في القدرة. ويجوز أن يعود المنصوب على المسلمين، والمجرور على المشركين، أي : ترون - أيها اليهود المسلمين مثلي عدد المشركين؛ مهابةً لهم، وتهويلاً لأمر المؤمنين، كما كان ذلك في حق المشركين - فيما تقدم من الأقوال-، ويجوز أن يعود المنصوب على المشركين، والمجرور على المسلمين، والمعنى : ترون - أيها اليهود لو رأيتم - المشركين مثلي عدد المؤمنين وذلك أنتم قُلِّلوا في أعينهم؛ ليَحْصُل لهم الفزَعُ والغَمُّ؛ لأنه كان يغمهم قلةُ المؤمنين، ويعجبهم كثرتهم ونصرتهم على المسلمين، حَسَداً وبَغْياً.


الصفحة التالية
Icon