ومنها التجنيس : القناطير المقنطرة.
ومنها : الجمع بين ما يشبه المطابقة في قوله :﴿ الذهب والفضة ﴾ ؛ لأنهما صارا متقابلَيْن في غالبِ العُرْف.
ومنها : وصف « الْقَنَاطِيرِ » ب « الْمُقَنْطَرَةِ » الدالة على تكثيرها مع كَثْرتها في ذاتها.
ومنها : ذكر هذا الجنس بمادة « الْخَيْلِ » لما في اللفظ من الدلالة على تحسينه، ولم يقل : الأفراس، وكذا قوله « الأنْعَامِ »، ولم يَقُل : الإبل والبقر والغنم؛ لأنه أخصر.

فصل


قال القرطبيُّ : قال العلماء : ذكر الله - تعالى - أربعة أصناف من المال، كل نوع منها يتموَّل به صِنْفٌ من الناس، أمَّا الذهب والفضة فيتموَّل به التُّجَّارُ، وأما الخيل المسومة فيتموّل بها الملوكُ، وأما الأنعامُ فيتموَّل بها أهلُ البوادِي، وأما الْحَرْثُ فيتموَّل به أهل البساتين، فتكون فتنة كل صنفٍ في النوع الذي يتموَّل به، وأما النساء والبنون ففتنة للجميع.
قوله :﴿ ذلك مَتَاعُ ﴾ الإشارة بذلك للمذكور المتقدم، فلذلك وَحَّدَ اسم الإشارة والمشارُ إليه متعدد، كقوله :﴿ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك ﴾ [ البقرة : ٦٨ ]. وقد تقدم.

فصل


قال القاضي : وهذا يدل على أن هذا التزيين مضافٌ إلى الله تعالى؛ لأن متاعَ الدنيا إنما خُلِقَ ليُسْتَمْتَعَ بها، والاستمتاعُ بمتاع الدنيا على وجوه :
منها : أن ينفرد به من خَصَّه الله تعالى بهذه النعم، فيكون مذموماً.
ومنها : أن يتركَ الانتفاع به - مع الحاجة إليه - فيكون مذموماً.
ومنها : أن ينتفع به في وجه مباحٍ، من غير أن يتوصل بذلك إلى مصالحِ الآخرةِ، وذلك لا ممدوح ولا مذموم.
ومنها : أن ينتفع به على وَجْهٍ يتوصل به إلى مصالحِ الآخرةِ، وذلك هو الممدوحُ.
قوله :﴿ والله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب ﴾، أي : الْمَرْجع، فالمآب : مَفْعَل، من آب، يئوب، إياباً، وأوْبَةً وأيبةً، ومآباً، أي : رجع، والأصل : مَأوَب، فنُقِلَتْ حركةُ الواوِ إلى الهمزةِ الساكنة قبلَها، فقلبت الواوُ ألفاً، وهو - هنا - اسم مصدر، أي : حسن الرجوع، وقد يقع اسم مكانٍ، أو زمان، تقول : آب يَئُوبُ أواباً وإياباً كقوله تعالى :﴿ إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ ﴾ [ الغاشية : ٢٥ ] وقوله :﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِّلطَّاغِينَ مَآباً ﴾ [ النبأ : ٢١-٢٢ ]. فإن قيل : المآب قسمان : الجنة، وهي في غاية الحُسْن، والنار، وهي خالية عن الحُسْن فكيف وصف المآب المطلق بالحسن؟
فالجواب : أنَّ المقصود - بالذات - هو الجنة، وأما النار فمقصودة بالعرض، والمقصود من الآية التزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة؛ لأن قوله :﴿ ذلك مَتَاعُ الحياة الدنيا ﴾ أي : ما يتَمتع به فيها، ثم يذهب ولا يَبقَى، قال - عليه السلام- :« ازهد فِي الدُّنيا يحِبَّك اللهُ » أي : في متاعِها من الجاهِ والمالِ الزائدِ على الضَّرورِيِّ والله تعالى - أعلم.


الصفحة التالية
Icon