قرأ نافعُ وابنُ كثير وأبو عمرو بتحقيق الأولى، وتسهيل الثانية، والباقون بالتحقيق فيهما، ومَد هاتَيْن الهمزَتَيْن - بلا خلاف - قالون عن نافع، وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر بخلاف عنهما والباقون بغير مدّ على أصولهم من تحقيق وتسهيل.
وورش على أصله من نقل حركة الهمزة الأولى إلى لام « قُلْ ».
ولا بد من ذكر اختلاف القراء في هذه اللفظة وشبهها، وتحرير مذاهبهم؛ فإنه موضع عسير الضبط، فنقول : الوارد من ذلك في القرآن الكريم ثلاثة مواضع - أعني همزتين، أولاهُمَا مفتوحةُ، والثانية مضمومة - الأول : هذا الموضع.
والثاني :﴿ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا ﴾ [ ص : ٨ ]، والثالث :﴿ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا ﴾ [ القمر : ٢٥ ]، والقُرَّاء فيها على خمسِ مراتب :
أحدها : مرتبة قالون، وهي تسهيل الثانية بَيْنَ بَيْنَ، وإدخال ألِفٍ بين الهمزتين - بلا خلاف - كذا رواه عن نافع.
الثانية : مرتبة وَرْش وابن كثير، وهي تسهيل الثانية - أيضاً - بين بين، من غير إدخال ألِفٍ بين الهمزتين بخلاف كذا روى ورش عن نافع.
الثالثة : مرتبة الكوفيين وابنِ ذكوان عن ابن عامر، وهي تحقيق الثانيةِ، من غير إدخال ألف بلا خلاف-، كذا روى ابن ذكوان عن ابن عامر.
الرابعة : مرتبة هشام، وهي أنه رُويَ عنه ثلاثةُ أوجه :
الأول : التحقيق، وعدم إدخال ألف بين الهمزتين في الثلاثِ مواضِعَ.
الثاني : التحقيق، وإدخال ألف بينهما في المواضع الثلاثة.
الثالث : التفرقة بين السور، فيُحقق ويُقْصِر في هذه السورة، ويُسَهِّل ويمد في السورتين الأخْرَيَيْن.
الخامسة : مرتبة أبي عمرو، وهي تسهيل الثانية مع إدخال الألف وعدمه. وتسهيل هذه الأوجه تقدم في أول البقرة.
ونقل أبو البقاء أنه قُرِئَ : أَؤُنَبِّئكم - بواوٍ خالصةٍ بعد الهمزةِ؛ لانضمامها - وليس ذلك بالوَجْه.
وفي قوله :﴿ أَؤُنَبِّئُكُم ﴾ التفاتٌ من الغيبة - في قوله :« للنَّاسِ » - إلى الخطاب، تشريفاً لهم.
« بِخَيْرٍ » متعلق بالفعل، وهذا الفعل لَمَّا لم يضمن معنى « أعلم » تعدى لاثنين، الأول تعدى إليه بنفسه، وإلى الثاني بالحرف، ولو ضُمِّنَ معناها لتعدَّى إلى ثلاثة.
و « مِنْ ذَلِكُمْ » متعلق ب « خَيْر » ؛ لأنه على بابه من كونه أفعل تفضيل، والإشارة ب « ذَلِكُمْ » إلى ما تقدم من ذكر الشهوات وتقدم تسويغ الإشارة بالمفرد إلى الجمع، ولا يجوز أن تكون « خير » ليست للتفضيل، ويكون المراد به خيراً من الخيور، ويكون « مِنْ » صفة لقوله :« خَيْرٍ ».
قال أبو البقاء :« من » في موضع نَصْب بخير، تقديره [ بما يفضل من ذلك، ولا يجوز أن يكون صلة لخير؛ لأن ذلك يوجب أن تكون الجنة وما فيها ] مما رغبوا فيه بعضاً لِمَا زهدوا فيه من الأموال ونحوها، وتابَعَهُ في ذلك أبو حيان.