فقد جوَّز تعلُّقَ هذه اللام ب « أؤُنَبِّئُكُمْ » أو بمحذوف على أنها صفة لخير، بشرط أن يُجَرَّ لفظُ « جنات » على البدل من « خَيْر » وظاهره أنه لا يجوز ذلك مع رفع « جَنَّات » وعلَّل ذلك بأن حروف الجر تتعلق بمحذوف، يحمل الضمير، فوجب أن يُؤتَى له بمبتدأ هو « جَنَّات » وهذا الذي قاله من هذه الحيثية لا يلزم؛ إذ لقائل أن يقول : أجوز تعلق اللام بما ذكرت من الوجهين مع رفع « جَنَّات » على أنها خبر مبتدأ محذوف، لا على الابتداء حتى يلزم ما ذكرت ولكن الوجهين ضعيفان من جهة أخرى، وهو أن المعنى ليس واضحاً بما ذكر مع أنّ جعله صفة لخير أقوى من جعلها متعلقة ب « أؤُنَبِّئُكُمْ » ؛ إذ لا معنى له، وقوله - في الظروف وحروف الجر - : إنها عند الحذاق إنما ترفع الفاعل إذا كانت صفات.. وكذلك إن كانت أحوالاً - فيه قصور؛ لأن هذا الحكم مستقر لها في مواضع :
منها : الموضعان اللذان ذكرهما.
وثالثها : أن يقعا صلة.
ورابعها : أن يقعا خبراً لمبتدأ.
وخامسها : أن تعتمد على نقي.
وسادسها : أن تعتمد على استفهام. وقد تقدم تحرير هذا.
فصل
قد بيَّنا في قوله تعالى :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ] معنى التقوى، وبالجملة فإن المتقي هو الآتي بالواجبات، المتحرز عن المحظورات.
وقيل : التقوى عبارة عن اتقاء الشرك؛ لأن التقوى - في عُرْف القرآن - مختصة بالإيمان. قال تعالى :﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى ﴾ [ الفتح : ٢٦ ]، وظاهر اللفظ يطابق الامتنان بحقيقة التقوى، وهي حاصلةٌ عند حصولِ اتقاء الشرك وعرف القرآن مطابق لذلك، فوجب حملُه على مَن اتقى الكفر :
قوله :﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ فيه أربعة أوجهٍ :
أحدها : أنه في محل نصب على الحال من « جَنَّات » ؛ لأنه - في الأصل - صفة لها، فلما قُدِّم نصب حالاً.
الثاني : أنه متعلق بما تعلق به « لِلَّذِينَ » من الاستقرار، إذَا جعلناه خبراً، أو رافعاً « جَنَّاتٌ » بالفاعلية، أما إذا علقته ب « خَيْر » أو « أؤنَبَّئُكُمْ » فلا؛ لعدم تضمينه الاستقرار.
الثالث : أن يكون معمولاً ل « تَجْرِي »، وهذا لا يساعد عليه المعنى.
الرابع : أنه متعلق ب « خَيْر »، كما تعلق به « لِلَّذِينَ »، كما تقدم.
ويضعف أن يكون الكلام قد تم عند قوله :﴿ لِلَّذِينَ اتقوا ﴾ ثم يُبْتَدَأ بقوله :﴿ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ ﴾ - على الابتداء والخبر - وتكُون الجملة مبيِّنة ومفسِّرة للخيرية، كما تقدم في غيرها. وقرأ يعقوب « جَنَّاتٍ » بكسر التاء - وفيه ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنها بدل من لفظ « بِخَيْر » فتكون مجرورة، وهي بيان له - كما تقدم.
الثاني : أنها بدل من محل « بِخَيْر » - ومحله النصب - وهو في المعنى كالأول.