فصل
فَتَحَ الياءَ من « وَجْهِيَ » - هنا وفي الأنعام - نافع وابن عامر وجعفر وحفص وسكنها الباقون.
قوله :﴿ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ في محل « مَنْ » وجوه :
أحدها : الرفع؛ عطفاً على التاء في « أسْلَمْتُ »، وجاز ذلك؛ لوجود الفصل بالمفعول؛ قاله الزمخشريُّ وابن عطية.
قال أبو حيان :« ولا يمكن حمله على ظاهره؛ لأنه إذا عطف الضمير في نحو :» أكلت رغيفاً وزيدٌ « لزم من ذلك أن يكونا شريكين في أكل الرغيف، وهنا لا يسوغ ذلك؛ لأن المعنى ليس على أنهم أسلموا هم. وهو ﷺ أسلم وجهه، بل المعنى على أنه ﷺ أسلم وجهه لله، وأنهم أسلموا وجوههم لله؛ [ فالذي يقوى في الإعراب أنه معطوف على ضمير محذوف منه المفعول، لا مشارك في مفعول » أسْلَمْتُ « والتقدير : ومن اتبعني وجهه، أو أنه مبتدأ محذوف الخبر؛ لدلالة المعنى عليه، والتقدير : ومن اتبعني كذلك، أي : أسلموا وجوههم لله ]، كما تقول : قضى زيد نحبه وعمرو، أي : عمرو كذلك، أي : قضى نحبه ».
قال شهابُ الدينِ :« إنما صحت المشاركة في نحو : أكلتُ رغيفاً وزيدٌ؛ لإمكان ذلك، وأما في الآية الكريمة فلا يُتَوَهَّمُ فيه المشاركة ».
الثاني : أنه مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف - كما تقدم.
الثالث : أنه منصوب على المعية، والواو بمعنى « مع » أي : أسلمت وجهي لله مع من اتبعني؛ قاله الزمخشريُّ.
وقال أبو حيّان :« ومن الجهة التي امتنع عطف » مَنْ « على الضمير - إذا حُمِلَ الكلام على ظاهره دون تأويل - يمتنع كون » مَنْ « منصوباً على أنه مفعول معه؛ لأنك إذا قلتَ : أكلتُ رغيفاً وعمرو أي مع عمرو - دل ذلك على أنه مشارك لك في أكل الرغيف، وقد أجاز الزمخشريُّ هذا الوجهَ، - وهو لا يجوز - لما ذكرنا - على كل حال؛ لأنه لا يجوز حذف المفعول مع كون الواوِ واوَ » مع « ألبتة ».
قال شهابُ الدينِ :« فهم المعنى، وعدم الإلباس يسَوِّغ ما ذكره الزمخشريُّ، وأي مانع من أن المعنى : فقل : أسلمت وجهي لله مصاحباً لمن أسلم وَجْهَهُ لله أيضاً، وهذا معنى صحيح مع القول بالمعية ».
الرابع : أن محل « مَنْ » الخفض، نسقاً على اسم « الله »، وهذا الإعراب - وإن كان ظاهره مُشْكِلاً - قد يؤول على معنى : جعلت مقصدي لله بالإيمان به والطاعة له، ولمن اتبعني بالحفظ له.