[ النساء : ٣ ].
وقال آخرون : هو حقيقةٌ في الوطء، واحتجوا بوجوه :
منها قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ﴾ [ البقرة : ٢٣٠ ] نفي الحل ممتدٌّ إلى غاية النِّكاح، وليس هو العقد؛ ومنها قوله ﷺ :« حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، ويَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ » ؛ فوجب أن يكون هو الوطء.
وأجيب بأن امرأة رفاعة، لم تفهم عند الإطلاق إلاَّ مجرَّد العقد؛ حتى قال لها عليه الصَّلاة والسَّلام :« لاَ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ».
ومنه : قوله عليه الصَّلاة والسَّلام :« نَاكِحُ اليَدِ مَلْعُونٌ، وَنَاكِحُ البَهِيمَةِ مَلْعُونٌ » أثبت النِّكاح [ مع عدم العقدِ.
والنِّكاحُ ] في اللُّغة عبارة عن الضمّ، والمداخلة كما تقدَّم في المطر، والأرض، وتناكح الشَّجر، ونكح النُّعاس عينه، وفي المثل :
« نَكَحْنَا الفَرى فَسَتَرَى » والبيت المتقدم، وقوله :[ البسيط ]

١٠٧٦- أنكحْتُ صُمَّ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمَلةٍ تَغَشْمَرَتْ بي إِلَيْكَ السَّهْلَ والجَبَلاَ
والضَّمُّ والوطء في المباشرة أتَمُّ منه في العقد.
وأجيب بأنَّ هذه قرائن صارفةٌ له عن حقيقته.

فصل في هل يتناول المشرك أهل الكتاب؟


لفظ « المُشْرِك » ؛ هل يتناول أهل الكتاب؟
فالأكثرون على أنَّ الكتابة تشمل لفظ المشرك، ويدلُّ عليه وجوه :
أحدها : قوله تعالى :﴿ وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله ﴾ [ التوبة : ٣٠ ]، ثم قال بعد ذلك :﴿ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [ التوبة : ٣١ ] وهذا تصريحٌ بأن اليهوديَّ، والنَّصرانيّ مشركٌ.
وثانيها : قوله تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨ ]، فدلت هذه الآية على أنَّ ما سوى الشّرك فقد يغفره الله تعالى في الجملة، فلو كان كفر اليهوديِّ والنَّصرانيّ ليس بشرك، لوجب أن يغفره الله تعالى في الجملة، وذلك باطلٌ، فعلمنا أنَّ كفرهما شركٌ.
وثالثها : قوله تعالى :﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ﴾ [ المائدة : ٧٣ ] فهذا التَّثليث إمَّا أن يكون لاعتقادهم وجود صفاتٍ ثلاثة أو لاعتقادهم وجود ذوات ثلاثة.
والأول باطلٌ؛ لأن المفهوم من كونه تعالى عالماً غير المفهوم من كونه قادراً، ومن كونه حيّاً، وإذا كانت هذه المفهومات الثَّلاثة لا بدّ من الاعتراف بها كان القول بإثبات صفاتٍ ثلاثة من ضرورات دين الإسلام، فكيف يمكن تكفير النَّصارى بسبب ذلك؛ ولمَّا بطل ذلك علمنا أنَّه تعالى إنَّما كفَّرهم؛ لأنَّهم أثبتوا ذواتاً ثلاثةً قديمةً مستقلَّةً؛ وذلك لأنهم جوَّزوا في أُقنُوم الكلمة أن يحلّ في عيسى، والأُقْنُومُ عندهم عبارةٌ عن حقيقة الشَّيءِ، وجوَّزوا في أُقْنُومِ الحَيَاةِ أن يحلّ في مريم، ولولا أنَّ هذه الأشياء المسمَّاة عندهم بالأقانيم ذوات قامة بأنفسَها؛ لمّا جوَّزوا عليه الانتقال من ذوات إلى ذاتٍ، فثبت أنهم قائلون بإثبات ذوات قائمة بالنَّفْس قديمة أزليَّة، وهذا شركٌ. وإذا ثبت دخولهم تحت اسم الشِّرك، فاليهود كذلك إذ لا قائل بالفرق.
ورابعها : أنّه - عليه الصَّلاة والسَّلام - أمَّر أميراً، وقال :« إذا لقيت عدوّاً مِنَ المُشْرِكِينَ؛ فَادْعُهُم إلى الإِسْلاَمِ، فإنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُم وَكُفَّ عَنْهُم، وَإِنْ أَبوا، فادْعُهُم إِلى الجِزْيَةِ، وَعَقْدِ الذِّمَّةِ ».


الصفحة التالية
Icon