والتَّفضيلُ في قوله :﴿ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ ﴾ : إمَّا على سبيل الاعتقاد، لا على سبيل الوجود، وإمَّا لأنَّ نكاحَ المؤمنةِ يشتملُ على منافع أُخرويَّة، ونكاحَ المشركةِ الحُرَّة يشتملُ على منافِعَ دنْيَويّةٍ، هذا إذا التزَمنا بِأَنَّ « أَفْعَلَ » لا بدّ أن يدُلَّ على زيادةٍ ما، وإلاَّ فلا حاجة إلى هذا التأويل، كما هو مذهبُ الفرَّاءِ وجماعةٌ.
وقوله :﴿ مِّن مُّشْرِكَةٍ ﴾ يحتمِلُ أن يكُونَ « مُشْرِكَةٍ » صفةً لمحذوفٍ مدلولٍ عليه بمقابِلِهِ، أي : مِنْ حُرَّةٍ مُشْرِكَةٍ، أو مدلولٌ عليه بلفظِهِن أي : مِنْ أَمَةٍ مشركةٍ، على حسب الخلاف في قوله :« وَلأَمَةٌ » هل المُراد المَمْلُوكةُ للآدميين، أو مطلقُ النِّسَاء، لأنهنَّ مِلكٌ لله تعالى؛ كما قال - عليه السَّلام - « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاء اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ » وكذلك الخلافُ في قوله :﴿ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ ﴾.
وقال بعضهم وَلأَمَةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من حُرَّةٍ مُشْرِكَةٍ ولا حاجة إلى هذا التقدير، لأن اللَّفظ مطلق. وأيضاً فقوله :﴿ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ يدُلُّ على صفة الحُرِّيَّة؛ لأَنَّ التَّقدير : ولو أعجبتكم بحسنها، أو مالها، أو حرّيتها، أو نسبها، فكُلُّ ذلك داخِلٌ تحت قوله :﴿ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾.
فصل في سبب النُّزُول
نزلت هذه الآية في خنساء، وهي وليدةٌ سوداءُ، كانت لحذيفة بن اليمان، قال حذيفة : يا خنساء قد ذكرت في المَلأ الأَعلى على سوادك ودمامتك؛ فأعتقها وتزوجها.
وقال السُّدِّيُّ : نزلت في عبداللهِ بن رواحة كانت له أَمَةٌ سَوداءُ، فغضب عليها، ولطمها، ثم أتى النَّبيَّ - ﷺ - وأخبره بذلك، فقال له - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« وَمَا هي » ؟ فقال : تشهدُ ألاَّ إله إلا الله، وأنَّك رسُولُ اللهِ، وتُحسن الوضُوء وتُصَلّي فقال :« إنّ هذه مؤمنة » قال عبداللهِ : فوالَّذي بعثك بالحق نبيّاً، لأعتقها ولأتزوجها، ففعل، فطعن عليه ناسٌ من المُسلمين، وقالوا : تنكح أمة؟! وعرضُوا عليه حُرَّةٌ مشركة. فأَنزلَ اللهُ هذه الآية.
فصل في بيان الخيريَّة في الآية
والخير ها هنا النفع الحسن، والمعنى : أَنَّ المشركة - وإِنْ كانت ثابتة في المال، والجمال، والنَّسَب - فالأَمَةُ المُؤْمِنة خيرٌ منها إِلاَّ أن الإيمان يتعلَّق بالدِّين، والمال، والجمال، والنَّسب متعلّق بالدِّين والدُّنيا، ولا شكَّ أَنَّ الدِّين خيرٌ مِنَ الدنيا؛ لأنه أشرف الأشياء عند كل أحد، فإذا اتفق الدين كملت المحبة فتكمل منافع الدنيا من الصحة والطاعة وحفظ الأموال والأولاد، وعند اختلاف الدين لا يحصل شيء من ذلك.