فصل في تقرير مذهب أبي حنيفة في القادر على التزوّج بأمة مع وجود الحرة


قال الجبائي : دلت الآية على أن القادرعلى طول الحرة يجوز له التزوج بالأمة كمذهب أبي حنيفة؛ لأن الآية دلت على أن الواجد لطول الحرة المشركة يكون - لا محالة - واجداً لطول الحرة المسلمة لأن سبب التفاوت في الإيمان والكفر لا يتفاوت في قدر المال المحتاج إليه في أهبة النكاح فيلزم - قطعاً - أن يكون الواجد لطول الحرة المسلمة يجوز له نكاح الأَمَةِ، وهو استدلالٌ لطيف.
قوله :﴿ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾، وقوله :﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ هذه الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نصب على الحالِ، وقد تقدَّم أنَّ « لَوْ » هذه في مثل هذا التَّركيب شرطيّةٌ بمعنى :« إِنْ » نحو :« رُدُّوا السَّائل، ولو بظَلْفٍ مُحْرَقٍ »، وأنَّ الواوَ لِلْعَطفِ على حالٍ محذوفةٍ، التَّقديرُ : خيرٌ من مشركةٍ على كُلِّ حالٍ، ولو في هذه الحال، وأنَّ هذا يكون لاستقصاءِ الأَحوالِ، وأنَّ ما بعد « لَوْ » هذه إِنَّمَا يأتِي وهو مُنافٍ لِمَا قبلَه بوجهٍ ما، فالإِعجابُ مُنافٍ لحُكْم الخَيْريَّة، ومُقْتَضٍ جوازِ النِّكَاحِ لرغبةِ النَّاكِح فيها. وقال أبو البقاء :« لَوْ » هنا بمعنى « إِنْ » وكذا كُلُّ موضع وقع بعد « لَوْ » الفعلُ الماضِي، وكان جوابُها مُتقدِّماً عليها، وكونها بمعنى « إِنْ » لا يشترط فيه تقدُّمُ جوابها؛ ألا تَرَى أنَّهم قالوا في قوله تعالى :﴿ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ ﴾ [ النساء : ٩ ] إنَّها بمعنى :« إنْ » مع أَنَّ جوابها وهو :« خَافُوا » مُتأخِّرٌ عنها، وَقَدْ نَصَّ هو على ذلك في آيةِ النِّسَاءِ قال في خافُوا : وهو جوابُ « لَوْ » ومعناها « إنْ ».

فصل في نكاح الأَمَةِ الكتابيَّة


قال القُرطبيُّ : اختلفوا في نكاح الأَمَةِ الكتابيَّة؛ فقال مالِكٌ : مَنْ أسلم وتحته أَمَةٌ كتابيَّةٌ أَنَّه لا يُفرَّق بينهما.
وقال أبو حنيفة وأصحابه : يجوزُ نكاحُ إِماءِ أَهلِ الكِتَابِ. قال ابن العربيّ : احتجّ أصحابُ أبي حنيفة على جواز نكاح الأَمَةِ بقوله تعالى :﴿ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ ﴾ ووجهُ الدلالة : أَنَّهُ تعالى خاير بين نكاح الأَمَة المؤْمِنة والمُشركة، فلولا أَنَّ نكاح الأَمة المشركة جائِزٌ لما خاير بينهما؛ لأَنَّ المخايرة إِنَّما هي بينَ الجائزين، لا بين جائِزٍ وممتنع، ولا بينَ متضادين.
والجوابُ : أَنَّ المخايرة بين الضدَّين تجوزث لغةً وقُرْآناً، قال تعالى :﴿ أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٤٢ ].
وقال عمر في رسالته لأبي موسى الأشعري : الرّجوع إلى الحقّ خيرٌ مِنَ التَّمَادِي في الباطل.
وجوابٌ آخرُ : أنَّ قوله :« وَلأَمَةٌ » لم يُرد به الرّقَّ المَمْلُوك وإِنَّما أراد به الآدمِيَّات والآدَميين كقوله عليه الصّلاة والسَّلام :


الصفحة التالية
Icon