« لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ » وكذا قوله :﴿ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ ﴾ وقوله :﴿ وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ ﴾ هذا بالإِجماع المراد منه الكُلّ، وأَنَّ المُؤْمِنة لا يحلُّ تزويجها بكافرٍ البَتَّة على اختلاف أنواع الكُفر، والكلام في قوله :﴿ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ ﴾ على نحو ما تقدَّمَ.

فصل في نكاح المجوسيَّة


قال القرطبيُّ : اختلفوا في نكاح المجوسية؛ فمنع منه مالكٌ والشَّافعيُّ، وأبو حنيفة، والأوزاعيُّ وإسحاقُ.
وقال أحمد : لا يعجبني.
وروي أَنَّ حُذيفة بن اليمان تزوَّجَ مجوسية، وأَنَّ عمر بن الخطَّاب قال له : طلِّقها.
قال ابن القصَّار : من قال كان لهم كتاب جَوَّزَ نكاحهنَّ.
قوله :﴿ أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار ﴾ وهي نظير قوله تعالى :﴿ مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة وتدعونني إِلَى النار ﴾ [ غافر : ٤١ ]، وفي تأويلها وجوهٌ :
الأوَّل : أَنَّهم يدعون إلى ما يُؤَدِّي إلى النَّارِ.
فإن قيل : كيف يدعون إلى النَّارِ، ورُبَّما لم يُؤمِنُوا بالنَّارِ أصلاً، فكيف يدعون إليها؟!
والجواب : أنَّهم يدعون إلى ما يؤدِّي إلى النَّارِ، فإنَّ الظَّاهر أن الزَّوجيّة مظنة الأُلفة والمحبة والمَودَّة، وكُلُّ ذلك يُؤَدِّي إلى انتقال المسلم عن الإِسلام بسبب موافقة حبيبه.
فإن قيل : احتمالُ المحبَّة حاصِلٌ من الجانين، فكما يحتملُ أَنْ يصير المسلمُ كافراً بسبب الأُلفةِ والمحَبَّةِ يحتمل أيضاً أنْ يصير الكافِرُ مُسْلِماً بسبب الأُلفةِ والمَحبَّة، وإذا تعارض الاحتمالان، تساقطا، وبقي أصل الجوازِ.
فالجواب : أَنَّ العمل إذا دار بين أن يلحقه نفع، أو بين أن يلحقه ضررٌ؛ وجب الاحترازُ عن الضَّرَرِ، فلهذا السَّبب رجَّح اللهُ جانب المنعِ.
التَّأويل الثَّاني : أنَّهُم يدعون إلى ترك المحاربة والقتال، وفي تركهما وجوب استحقاق النَّار والعقاب، والغَرَضُ منه أَنْ يجعل هذا فرقاً بين الذِّمِّيَّة، وغيرها، فإنَّ الذِّمِّيَّة لا تحمل زوجها على المقاتلة.
التَّأويل الثالث : أَنَّ الولد الَّذِي يحدث، ربَّما دعاهُ الكافِرُ إلى الكُفْرِ، فيصير الكافر والولد من أهلِ النَّارِ، فهذا هو الدَّعوة إلى النَّارِ، ﴿ والله يدعوا إِلَى الجنة ﴾ حيثُ أمر بالتَّزْويج بالمسلمة، حتى يكون الولد مسلماً من أهل الجَنَّة.
قوله :﴿ والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ ﴾ فيه قولان :
الأول : أَنَّ المعنى : وأولياء اللهِ يدعون إلى الجَنَّة، والمغفرة، فلا جرم أنه ينبغي للعاقل ألاَّ يقرب من مشركة، فإِنَّها من أعداء اللهِ، وأن ينكح المُؤْمنة؛ لأَنَّها تدعُو إلى الجَنَّةِ والمغفرة.
الثاني : أنَّهُ سبحانه وتعالى لمَّا بيَّنَ هذه الأَحكام، وأباح بعضها، وحرَّم بعضها قال ﴿ والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة ﴾ ؛ لأنَّ من تمسَّكَ بهما اسْتَحَقّ الجنَّةَ.
و ﴿ والمغفرة ﴾ الجمهورث على جَرِّ ﴿ والمغفرة ﴾ عطفاً على « الجَنَّةِ » و « بِإِذْنِهِ » مُتعلِّقٌ ب « يَدْعُو » أي : بتسهيلهِ، وتيسيره، وتوفيقه، وقيل بقضائه وإرادته.
وفي غير هذه الآيةِ تقدَّمَت « المَغْفِرَة » على الجنة :﴿ سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ [ الحديد : ٢١ ] و ﴿ وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ [ آل عمران : ١٣٣ ]، وهذا هو الأصل؛ لأنَّ المغفرة سببٌ في دُخُولِ الجَنَّةِ، وإنما أُخِّرَت هنا للمقابلة، فإنَّ قبلَها « يَدْعُو إِلى النَّارِ »، فقدَّم الجَنَّةَ ليقابِلَ بها النَّارَ لفظاً، ولتشوُّقِ النُّفوس إليها حين ذكر دعاءَ اللهِ إليها، فأتى بالأَشْرَفِ.
وقرأ الحسن ﴿ والمغفرة بِإِذْنِهِ ﴾ على الابتداءِ والخبرِ، أي : حاصِلةٌ بإذنِهِ.
ويبين آياته للناس لعلَّهم يتذكَّرُون، أي : أوامره، ونواهيه.


الصفحة التالية
Icon