واحتجَّ مالكٌ - رضي اللهُ عنه - بوجهين :
الأول : أَنَّ النَّبيَّ - ﷺ - بيَّنَ علامة دم الحيض، وصفته كما قدمنا في قوله :« دَمُ الحَيْضِ هُوَ الأَسْوَدُ المُحْتَدمُ » وإذا كان الدَّمُ موصوفاً بهذه الصِّفَةِ، كان الحيضُ حاصِلاً، فيدخلُ تحت قوله :﴿ فاعتزلوا النسآء فِي المحيض ﴾.
الثاني : قوله في دم الحيض « هُو أَذى »، ذكر كونهُ أَذًى في معرض العِلَّة، لوجوب الاعتزال، وإِنَّما كان « أَذًى » للرَّائِحَة المنكرة التي فيه، واللون الفاسد وللحدةِ القوية الَّتي فيه، وإذا كان وجُوبُ الاعتزال معللاً بهذه المعاني، وجب الاحتراز عملاً بالعِلَّةِ المذكورة في كِتابِ الله.
واحتجّ الشَّافعيُّ على أبي حنيفة بوجهين :
الأول : أنه وجد دم الحيض في اليوم بليلته، وفي الزَّائد عن العشرة لأنه - عليه الصَّلاة والسَّلام - وصف دم الحيض بأنه أسود محتدم، فإذا وجد ذلك، فقد حصل الحيض فيدخل تحت قوله :﴿ فاعتزلوا النسآء فِي المحيض ﴾ تركنا العمل بهذا الدّليل في الأقلّ من يوم وليلة وفي الأكثر من خمسة عشر يوماً باتِّفاق بيني وبينك يا أبا حنيفة؛ فوجب أن يبقى معمولاً به في هذه المدَّة.
الثاني : أنَّه - عليه الصَّلاة والسَّلام - بيّن نقصان دينها : بأنها تمكث شطر عمرها لا تصلّي، وهذا يدلُّ على أنَّ الحيضة قد تكون خمسة عشر يوماً؛ لأن على هذا التقدير يكون الطهر خمسة عشر يوماً؛ فيكون الحيض نصف عمرها، ولو كان أقلّ من ذلك لم تكن تاركة للصَّلاة نصف عمرها.
أجاب أبو بكر الرَّازيُّ عنه بوجهين :
الأوَّل : أن الشَّطر ليس هو النِّصف، بل هو البعض.
والثاني : أنه لا يوجد في الدُّنيا امرأة تكون حائضاً نصف عمرها، لأن ما مضى من عمرها قبل البلوغ هو من عمرها.
والجواب عن الأول : أنَّ الشَّطر هو النِّصف، يقال : شطرت الشَّيء أي جعلته نصفين، ويقال في المثل :« احْلُبْ حَلْباً لَكَ شَطْرُهُ » أي نصفه.
وعن الثاني : أن قوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« تَمْكُثُ إِحْدَاكُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لاَ تُصَلِّي » إنّما يتناول زماناً هي تصلّي فيه، وذلك لا يتناول إلا زمان البلوغ.
واحتجَّ أبو بكر الرازي على قول أبي حنيفة بوجوه :
الأول : ما روى أبو أمامة عن النبي ﷺ أنه قال :


الصفحة التالية
Icon