« أَقَلّ الحَيْضِ ثَلاثَة أَيَّامٍ، وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّام » فإن صحَّ هذا الحديث، فلا معدل عنه لأحد.
الثاني : روي عن أنس بن مالك، وعثمان بن أبي العاص الثَّقفيّ أنهما قالا :« الحيضُ ثلاثةُ أيَّامٍ، وأربعة أيَّامٍ إلى عَشَرَةِ أيَّام، وما زاد فهو اسْتِحَاضَة » وهذا قول صحابي لم يخالفه أحدٌ، فكان إجماعاً، ولأنَّه إذا ورد قول عن صحابي فيما لا سبيل للعقل إليه، فالظَّاهر أنَّه سمع من النَّبيِّ ﷺ.
الثالث : قوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - لحمنه بنت جحش :« تحيضي في علم الله ستّاً، أو سَبْعاً، كما تَحِيضُ النِّسَاء في كُلِّ شَهْرٍ » فقوله :« كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ في كُلِّ شَهْرٍ » مقتضاه أن يكون حيض النِّسَاء في كلِّ شهر هذا القدر، خالفنا هذا الظَّاهر في الثَّلاثة إلى العشرة، فيبقى ما عداه على الأصل.
الرابع : قول عليه الصَّلاة والسَّلام :« مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِعُقُولِ ذَوِي الأَلْبَابِ مِنْهُنَّ » فقيل : ما نقصان دينهن؟ قال :« تَمْكُثُ إِحْدَاهُنَّ الأَيَّامَ واللَّيَالِي لاَ تُصَلِّي ».
فهذا يدلُّ على أنَّ مدَّة الحيض ما يقع عليه اسم الأيّام، واللَّيالي، وأقلّها ثلاثة أيَّام وأكثرها عشرة؛ لأنَّه لا يقال في الواحد، والاثنين لفظ الأيَّام، ولا يقال في الزَّائد على العشرة أيَّام؛ بل يقال أحد عشر يوماً، أما الثَّلاثة إلى العشرة، فيقال فيها أيَّامٌ.
وأيضاً قوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - لفاطمة بنت أبي حبيش :« دَعِي الصَّلاةَ أيَّامَ أَقْرَائِك » فلفظ الأيَّام مختصّ بالثَّلاثة إلى العشرة.
وفي حديث أُمِّ سلمة في المرأة التي سألته أنَّها تهرق الدَّم فقال :« لِتَنْظُر عَدَدَ الأَيَّامِ، واللَّيَالِي الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ مِنَ الشَّهْرِ، ثُمَّ لِتَغْتَسِل ولتصلِّ ».
فإن قيل : لعلَّ حيض تلك المرأة كان مقدّراً بذلك المقدار قلنا : إنَّه - عليه الصَّلاة والسَّلام - ما سألها عن قدر حيضها، بل حكم عليه بذلك الحكم مطلقاً، فدلّ هذا على أنَّ الحيض مطلقاً مقدّر بما ينطلق عليه لفظ الأيَّام.
وأيضاً قال في حديث عديِّ بن ثابتٍ :« المُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا » وذلك عامٌّ في جميع النِّساء.
الخامس : قال الجبَّائي في « تَفْسِيرِهِ » إنّ فرض الصِّيام والصَّلاة لازم لعموم الأدلَّة، فعلى الوجوب ترك العمل بها في الثَّلاثَةَ إلى العشرة بالإجماع، وما دون الثَّلاثة وفوق العشرة حصل فيه اختلاف العلماء، فأورث شبهة، فلم نجعله حيضاً، فوجب بقاء التَّكليف على أصله.

فصل في حرمة جماع الحائض


اتَّفق المسلمون على حرمة الجماع في زمن الحيض، واختلفوا في وجوب الكفَّارة على من جامع فيه، فذهب أكثرهم إلى أنَّه لا كفَّارة عليه فليستغفر الله ويتوب، وذهب قومٌ إلى وجوب الكفَّارة عليه؛ منهم : قتادة والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، لما روى ابن عبَّاس أن النَّبيَّ ﷺ قال في رجلٍ جامع امرأته وهي حائضٌ


الصفحة التالية
Icon