ولم يجزم ب « كَيْفَ » إلا بعضهم قياساً لا سماعاً، ومعفول « شِئْتُمْ » محذوفٌ، أي : شِئْتُمْ إتيانه بعد أن يكون في المحلِّ المباح.
فصل في بيان سبب النزول
روى ابن عبَّاسٍ في سبب النزول؛ قال : جاء عمر إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله، هلكت. قال :« وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ؟ » قال : حَوَّلْتُ رَحْلِي البَارِحَةَ، فلم يَرُدَّ عليه شيئاً، فَأُوحي إليه :﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ ﴾، يقول : أقبل، وأدبر، واتَّقِ الحَيْضَة والدُّبُرَ.
وروى جابر بن عبدالله؛ قال : كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها : إن الولد يكون أحولاً، فنزلت هذه الآية.
وروى مجاهد عن ابن عبَّاسٍ؛ قال : كان من شأن أهل الكتاب ألاَّ يأتوا النِّساء إلاَّ على حرفٍ، وذلك أستر ما تكون المرأة، وكان هذا الحيُّ من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيُّ من قريشٍ يتلذَّذُون منهنَّ مقبلات، ومدبراتٍ، ومستلقياتٍ، فلما قدم المهاجرون المدينة، تزوَّج رَجُلٌ منهم امرأَةً من الأنصار، وذهب يصنعُ لها ذلك فَأَنْكَرَت ذلك عليه، وقالت : إنما كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ، فَإن شِئْتَ فَاصْنَع ذَلِك وإلا فاجْتَنِبْنِي، حتى سَرَى أَمْرهَا إلى رَسُولِ الله صلى الله عيه وسلم، فَأنزلَ الله - عزَّ وجلَّ - :﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ﴾ يعني : موضع الولد، ﴿ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ ﴾ مُقْبِلاتٍ، ومُدْبِرَاتٍ ومُستلقياتٍ.
فصل
قال عكرمة والحسن :« أنى شِئْتُمْ » إنما هو الفَرْجُ.
وقوله :« حَرْثٌ لَكُم » أي : مَزْرَعٌ لكم، ومنبتٌ للولد بمنزلة الأرض، وهذا دليلٌ على تحريم الأدبار؛ لأن محلَّ الحرث والزَّرع هو القبل لا الدُّبر، ؛ وأنشد ثعلبٌ :[ الرمل ]
١٠٨٢- إِنَّمَا الأَرْحَامَ أَرْضُو | نَ لَنَا مُحْتَرَثَاتُ |
فَعَلَيْنَا الزَّرْعُ فِيهَا | وَعَلَى اللهِ النَّبَاتُ |
ورُوي عنه؛ أنَّه قال : تُسْتَأْمَر الحرَّة في العزل، ولا تُسْتَأْمَرُ الجارية، وكره جماعة العزل، وقالوا : هو الوَأْدُ الخفيّ.
وروى مالك عن نافع؛ قال : كُنْتُ أَمْسِكُ على ابن عمر المُصْحَفَ، فقرأْتُ هذه الآية :﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ﴾ فقال : تدْري فيما نزلت؛ في رجلٍ أتى امْرَأَتَهُ في دبرها، فشقَّ ذلك عليه، فنزلت هذه الآية.