ويُحكَى عن مالكٍ إباحة ذلك، وأنكر ذلك أصحابه.
وروي عن عبدالله بن الحسن؛ أنه لقي سالم بن عبدالله، فقال له : يا أبا عمر؛ ما حُدِّثتُ بحديث نافع عن عبدالله؛ أنه لم يكن يرى بأساً بإتيان النِّساء في أدبارهنَّ، قال : كذب العبدُ وأخْطَأَ، إنما قال عبدالله : يُؤْتُونَ في فُرُوجِهِنَّ من أَدْبَارِهِنَّ، والدَّليل على تحريمِ الأدبارِ : ما روى خُزيمة بن ثابتٍ؛ أن رجلاً سأل رسول الله ﷺ عن إِتيان النِّساء في أَدْبَارِهِنَّ، فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« حَلاَلٌ » فلما ولَّى الرَّجل دعاه، فقال :« كَيْفَ قُلْتَ في أَيِّ الخَرْبتين أَوْ فِي الخَرزَتَين أوْ فِي أيِّ الخَصْفَتَين، أَمِنْ قُبُلِهَا في قُبُلِهَا؟ فَنَعَمْ، أمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا؛ فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِها فِي دُبُرِهَا، فَلاَ، فإنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحيِي مِنَ الحَقِّ، لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ في أَدْبَارِهِنَّ ».
وأراد بخربتها مسلكها، وأصل الخربة : عروة المزادة. شبِّه بالثّقب بها، والخرزة هي : الثقبة التي يثقبها الخرَّاز وكنَّى به عن المأْتى، وكذلك الخصفة من قولهم : خصفت الجلد إذا خرزته.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -؛ قال : قال رسول الله ﷺ :« مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً في دُبُرِهَا » وقال - تعالى - في آيةِ المحيض :﴿ قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء فِي المحيض ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ] جعل الأذى علة لحرمة إتيان موضع الأذى، ولا معنى للأذى إلاَّ ما يتأذَّى الإنسان مه بنتن ريحِ الدَّم، وهذه العلَّة هنا أظهر؛ فوجب القول بتحريمه.
وروي عن أبي هريرة، عن النَّبيّ ﷺ ؛ قال :« مَنْ أَتَى امْرَأَةً في دُبُرِهَا لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْه يَوْمَ القِيَامَةِ ».
وروى أبو داود الطَّيالسي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه، عن النبي ﷺ قال :« تِلْكَ اللوطِيَّةُ الصُّغْرَى بإِتْيَانِ المَرْأَةِ في دُبُرِهَا ».
وعن طاوس؛ قال : إنه كَانَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ إِتْيَانُ النِّسَاء في أَدْبَارِها. واحتج من جوَّزَهُ بوجوه :
الأول : التَّمسُّك بهذه الآية من وجهين :
أحدهما : أنه جعل الحرث اسماً للمرأة لا للموضع المعيَّن، فلمَّا قال بعده :﴿ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ ﴾ كان المراد : فأتوا نساءكم أنى شئتم، فيكون إطلاقاً في إتيانهن على جميع الوجوه.
وثانيهما : كلمة « أَنَّى » معناها : أين؛ قال - تعالى - ﴿ أنى لَكِ هذا ﴾ [ أل عمران : ٣٧ ]، معناه : من أين لك هذا، فصار تقدير الآية : فأْتُوا حَرْثَكُم أَيْنَ شِئْتُم، وكلمة « أَيْنَ » تدلُّ على تعدُّد الأمكنة؛ تقول : اجلِس أيْن شِئْتَ، فيكون تخييراً بين الأمكنة.
وإذا ثبت هذا، فلا يمكن حمل الآية على الإتيان من قبلها، أو من دبرها في قُبُلِها؛ لأنه على هذا التَّقدير، يكون المكان واحداً، والتَّعدُّد إنَّما وقع في طريقِ الإتيان، فاللاَّئق به أن نقول : اذهبوا إليه كيف شئتم، فلمَّا لم يذكر كيف، بل ذكر لفظة « أَنَّى » وهي مشعرةٌ بالتَّخيير بين الأمكنة كما بيَّنَّا، ثبت أنَّ المراد ما ذكرنا.


الصفحة التالية
Icon