فصل


فذهب أكثرهم إلى أَنَّهُ إِن حلف لا يَقْرَبُ زوجته أبداً، أَو سَمَّى مُدَّة أكثر من أربعة أشهر يكون مؤْلياً، فلا يتعرَّض لها قبل مضي أربعة أشهرن وبعد مُضيِّها يُوقفُ ويُؤمرُ بالفيئة أو الطَّلاقِ بعد مُطالبةِ المرأة، والفَيْئَة : هي الرُّجُوع عمَّا قال بالوطء إن قَدَر عليه، وإن لم يَقْدِر فبالقَوْل، فإن لم يَفِ ولم يُطَلِّق، طَلَّق عليه الحاكم واحدة.
وذهب إلى الوَقْفِ بعد مُضِيِّ المُدَّةِ : عمرن وعثمان، وعليٌّ، وأبو الدرداء، وابن عمر.
قال سُليمان بن يسار : أدْرَكْتُ بضعة عشر من أصحاب النبي - ﷺ - كُلُّهم يقول بوقف المُؤْلي، وإليه ذهب سعيد بن جُبير، وسُلَيْمان بن يسار، ومجاهد، وبه قال مالك والشَّافعي وأحمد وإِسحاق.
وقال بعض أهل العلم : إذا مضتْ عليها أربعةُ أشهر، يقع عليها طَلْقَةً بائنة، وهو قول ابن عبَّاس وابن مسعود، وبه قال سُفيانُ الثَّورِيُّ وأصحاب الرَّأي.
وقال سعيد بن المُسيَّب والزُّهري : تقع طلقة رجعيَّةً، ولو حلف ألاَّ يطأَها أَقَلَّ من أربعة أشهر، لا يكون مُؤْلياً، بل هو حانثٌ إذا وطئها قبل مُضِيِّ تلك المُدَّة، وتجب عليه كفَّارة يمين على الصَّحيح، ولو حلف ألاَّ يطَأَهَا أربعة أشهرٍ، لا يكون مُؤلياً عند من يقول بالوقف بعد مُضِيِّ المُدَّة، لأن بقاء المُدَّة شرط للوقف، وثبوت المُطَالبة بالفيئة أو الطَّلاق، وقد مضتِ المُدَّة، وعند من لا يقول بالوقف لا يكون مؤلياً ويقعُ الطَّلاَق بمُضِيِّ المُدَّة.
وقال ابن عبَّاس لا يكون مُؤْلياً حتى يحلف لا يَطأَها أبداً.
وقال الحسن البصريِّ وإسحاق : أي مُدَّة حَلَف عَلَيها، كان مُؤلياً وإن كان يَوْماً.

فصل


قال القرطبيُّ : إذا حلف أَلاَّ يطأ امرأتهُ أكثر من أربعة أشهرٍ؛ فانقضت الأربعة أشهرٍ ولم تُطالبه، ولم ترفعهُ إلى الحاكم، لم يلزمه شيء عند مالكٍ وأكثر أهل المدينة.
وقال بعض أصحابنا : يلزمه بانقضاء الأَربعَة أَشهر طلقة رجعيَّة، وقال بعضهم : طلقة بائِنَة.
والصَّحِيح : ما ذهب إليه مالِكٌ، وأكثر أَهْلِ المدينة وأصحابه.

فصل هل ينعقد الإيلاء في الغضب؟!


قال ابن عبَّاس : لا يكون إيلاءً إلاَّ في حالِ الغَضَبِ، وهو المشهور عن عليٍّ - رضي الله عنه - وهو قول اللَّيث، والشَّعبي، والحسن، وعطاء قالوا : لا يكون الإيلاءُ إلاَّ على وجه مغاضبةٍ ومشادَّة.
وقال ابن سيرين : يكون في غضبٍ، وغير غضبٍ، وهو قول ابن مسعود، والثوري ومالك وأهل العراق والشَّافعيِّ وأحمد.

فصل


والمدخول بها وغير المدخول بها سواءٌ في صِحَّة الإيلاء منها.
قال القرطبي : والذِّمِّيُّ لا يصحُّ إيلاؤه كما لا يصحُّ طلاقهُ، ولا ظِهَارُهُ؛ لأن نكاح أهل الشِّرْكِ عندنا ليس بنكاحٍ صحيحٍ.

فصل


ومُدَّة الإيلاء أربعة أشهر في حق الحُرِّ والعبدِ لأنَّها ضُرِبت لمعنى يرجع إلى الطَّبع، وهو قِلَّةُ صبر المرأَة عن الزَّوج، فيستوي فيه الحُرُّ والعبدُ؛ كمُدَّة الفَيْئَةِ ومُدَّة الرِّضاع.


الصفحة التالية
Icon