وفائدة الخلاف : أنه إذا آلَى منها أكثر من أربعة أهشرٍ أجل أربعة أشهرن وهذا المُدَّة تكون حَقّاً للزَّوج، فإذا مضت تطالب المرأة الزَّوج بالفيئة أو بالطَّلاق فإن امتنع الزَّوجُ منهما، طلَّقها الحاكمُ عليه، وعند أبي حنيفة : إذا مضت أربعةُ أشهر، يقعُ الطَّلاق. حجة الشَّافعي وجوهٌ.
الأول : أنَّ « الفاء » في قوله ﴿ فَإِنْ فَآءُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، ﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ يقتضي كون هذين الحُكمين مشروعين متراخياً على انقضاء الأَرْبَعة أشهُر.
قال ابن الخطيب لما ذكر قول الزَّمخشريِّ المتقدِّم على سبيل الإيراد : وهذا ضعيفٌ، لأن قوله :﴿ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾ إشارةٌ إلى حُكمين :
أحدهما : صدور الإيلاء عنهم.
والثاني : وجوب تَرَبُّص هذه المُدَّة على النِّسَاء.
والفاء في قوله :« فَإِن فَآءُوا » ورد عقيب ذكرهما معاً، فلا بُدَّ وأن يكون هذا الحُكمُ مشروعاً عقيب الأَمرين : عقيب الإيلاءِ، وعقيب حُصُولِ التَّرَبُّص في هذه المُدَّة، بخلاف المثال الَّذِي ذكرهُ، وهو قوله :« أَنَا أَنْزِلُ عِنْدَكُم؛ فإن أكرمتموني بقيتُ وإلا تَرَحَّلتُ » ؛ لأن هناك « الفاء » صارت مذكُورة عقيب شيء واحدٍ، وهو النُّزول، وهي هُنا مذكورة عقيب ذكر الإيلاء، وذكر التَّربُّص، فلا بُدَّ وأن يكُون ما دخلت « الفَاءُ » عليه واقعاً بين هذين الأمرين.
الحجة الثَّانية : قوله :﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق ﴾ صريحٌ في أنّ وقوع الطَّلاَق، إنَّما يكون بإيقاع الزَّوج.
وعند أبي حنيفة : يقع الطَّلاَق بِمُضِيِّ المُدَّة، لا بإيقاع الزَّوج.
فإن قيل : الإيلاءُ طلاقٌ في نفسه؛ فالمراد من قوله :﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق ﴾ الإيلاء المتقدِّم.
فالجواب : هذا بعيد؛ لأن قوله :﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق ﴾ لا بُدَّ وأن يكون معناه :« وإن عَزَمُوا الَّذِين يُؤلُونَ مِنْ نِسَائِهُمُ الطَّلاق » فجعل المُؤلي عازماً، وهذا يقتضي أن يكون الإيلاءُ والعزم قد اجتمعا، وأما الطَّلاق فهو مُتعلَّقُ العزم، ومُتعلِّق العزم مُتأخرٌ عن لعزم؛ فإذن الطَّلاَق مُتأَخِّر عن العَزْمِ لا محالة، والإِيلاءُ إمَّا أن يَكُون مقارناً للعزم أو متقدِّماً عليه، وهذا يُفيد أن الطَّلاق مُغَاير لذلك الإِيلاءِ.
الحجة الثَّالثة : قوله تعالى :﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ يقتضي أن يصدرَ من الزَّوج شيءٌ يكون مسموعاً وما ذاك إلاَّ أن نقول تقديره :« وإِن عَزَمُوا الطَّلاَق وطلّقوا فاللهُ سمِيعٌ لكَلاَمِهِم، عَلِيمٌ بما في قُلُوبِهِم ».
فإن قيل : لِمَ لا يجوزُ أن يَكُون المُرادُ إن الله سَمِبعٌ لِذَلِك الإيلاءِ.
فالجواب : أنّ هذا التهديد لم يحصُل على نفس الإيلاء، بل إنَّمَا حصل عن شيءٍ حصل بعد الإيلاء، فلا بُدَّ وأن يَصْدُر عن الزَّوج بعد ذلك الإيلاء، وهو كلام غيره؛ حتى يكون قوله :﴿ فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ تهديداً عليه.
الحجة الرَّابعة : قوله :« فَإِنْ فَاءُوا »، « وَإِنْ عَزَمُوا » ظاهره التَّخيير بين الأَمرين؛ وذلك يقتضي أن يكون ثبوتهما واحداً، وعلى قول أبي حنيفة ليس الأمر كذلك.