الثاني : قال الزَّمخشري : التَّعبير عن الأمر بصيغة الخبر يفيد تأكيد الأمر، والإشعار بأنَّه ممَّا يجب أن يتعلٌَّ بالمُسارعة إلى امتثاله، فكأنَّهُنَّ امتثلن الأمر بالتَّربُّص، فهو يُخْبِرُ عنه موجوداً؛ ونظيره قولهم في الدُّعاء رحمك اللهُ؛ أُخرج في صورة الخبر ثقة بالإجابة، كأنَّها وجدت الرَّحمة فهو يُخْبر عنها.
فإن قيل : لو قال :« يَتَرَبَّصُ المُطلَّقات » لكان ذلك جملة من فعلٍ وفاعلٍ، فما الحكمة من ترك ذلك، وعدولِهِ عن الجملة الفعليَّة إلى الجملة الاسميَّة، وجعل المُطلَّقات مبتدأ، ثم قوله :« يتربّصن » إسنادٌ للفِعل إلى ضمير المُطَلَّقات، ثم جعل هذه الجملة خبراً عن ذلك المُبتدأ.
قال الشَّيخ عبد القاهر الجرجانيُّ في كتاب « دَلاَئِل الإِعْجَازِ » : إنَّك إذا قَدَّمت الاسم، فقلت : زيدٌ فعل، فهذا يفيد من التَّأكيد والقُوَّة ما لا يُفيد قولك :« فَعَلَ زَيْدٌ » ؛ وذلك لأنَّ قولك :« زَيْدٌ فَعَل » قد يُستعمل في أمرين :
أحدهما : أن يكون لتخصيص ذلك الفعل بذلك الفاعل؛ كقولك : أنا أكتب في المُهِمِّ الفُلانيّ إلى السُّلطان، والمراد دعوى الإنسان الانفراد.
والثاني : ألاَّ يكون المقصود الحصر، بل إنَّ تقديم ذكر المُحَدّث عنه بحديث كذا لإثبات ذلك الفعل له؛ كقولهم :« هُوَ يُعْطِي الجَزِيلَ » ولا يريد الحصر، بل أن يُحَقِّق عند السَّامع أَنَّ إِعطَاء الجزيل دأبه؛ وذلك مثل قوله تعالى :﴿ والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [ النحل : ٢٠ ]، وليس المراد تخصيص المخلوقيَّة بهم، وقوله تعالى :﴿ وَإِذَا جَآءُوكُمْ قالوا آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ ﴾ [ المائدة : ٦١ ] ؛ وقول الشَّاعر :[ الطويل ]
١١٠٤- هُمَا يَلْبِسَانِ المَجْدَ أَحْسَنَ لِبْسَةٍ | شَجِيعَانِ مَا اسْطَاعَا عَلَيْهِ كَلاَهُمَا |
فإن قيل : هلا قيل : يَتَرَبَّصْن ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ، وما الفائدة في ذكر الأنفُسِ؟
فالجواب : إن في ذكر الأنفس بعث على التَّربُّص وتهييجُ عليه؛ لأن فيه ما يستنكفن منه، فيحملهنَّ على أن يتربَّصن، وذلك لأنذَ أنفس النِّساء طوامحٌ إلى الرِّجال، فأراد أن يقعن على أنفسهن، ويغلبنها على الطُّموح، ويحرِّضنها على التَّربُّص.