فإن قيل : لم لم يقل : ثلاث قروء؛ كما يقال : ثَلاَث حِيَضٍ؟
والجواب : أنه أتبع تذكير اللَّفظ، ولفظ « قَرْء » مذكَّر.
والقرء في اللغة : أصله الوقت المعتاد تردده، ومنه : قرء النَّجم لوقت طلوعه وأفوله، يقال :« أَقْرَأَ النَّجْمُ »، أي : طلع أو أفل، ومنه قيل لوقت هبوب الرِّ ] ح : قرؤها وقارئها؛ قال الشاعر :[ الوافر ]
١١٠٥- شَنِئْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ | إِذَا هَبَّتْ لِقَارِيهَا الرِّيَاحُ |
١١٠٦- ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بَكْرٍ | هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جِنِينَا |
قال شهاب الدِّين : وهو غلطٌ؛ لأنَّ هذا من ذوات الياء، والقرء مهموزٌ.
وإذا تقرَّر ذلك فاختلف العلماء في إطلاقه على الحيض والطهر : هل هو من باب الاشتراك اللفظيِّ، ويكون ذلك من الأضداد أو من الاشتراك المعنويِّ، فيكون من المتواطئ؛ كما إذا أخذنا القدر المشترك : إمَّا الاجتماع، وإمَّا الوقت، وإمَّا الخروج، ونحو ذلك. وقرء المرأة لوقت حيضها وطهرها، ويقال فيهما : أَقْرَأَتِ المَرْأَةُ، أي : حاضت أو طهرت، وقال الأخفش : أَقْرَأَتْ أي : صارت ذات حيضٍ، وقرأت بغير ألفٍ أي : حاضت، وقيل : القرء، الحيض، مع الطهر، وقيل : ما بين الحيضتين. والقائل بالاشتراك اللفظيِّ وجعلههما من الأضداد هم جمهور أهل اللِّسان؛ كأبي عمرو ويونس وأبي عبيدة.
ومن مجيء القرء والمراد به الطهر قول الأعشى :[ الطويل ]
@ ١١٧٠- أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمٌ غَزْوَةٍ @ تَشُدُّ لأَقْصَاهَا عَظِيمَ عَزَائِكَا@ مُوَرِّثَةً عِزًّا وَفِي الحَيِّ رِفْعَةً @ لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا@... أراد : أنَّه كان يخرج من الغزو ولم يغش نساءه، فيضيع أقراءهنّ، وإنما كان يضيع بالسَّفر زمانَ الطُّهر لا زمان الحيض. ومن مجيئه للحيض قوله :[ الرجز ]
@١١٠٨- يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ @ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ@... أي : طعنته فسال دمه كدم الحائض، ويقال « قُرْء » بالضمِّ نقله الأصمعيُّ، و « قَرْء » بالفتح نقله أبو زيدٍ، وهما بمعنى واحد. وقرأ الحسن :« ثَلاَثَةَ قَرْوٍ » بفتح القاف وسكون الراء وتخفيف الواو من غير همزٍ؛ ووجهها : أنه أضاف العدد لاسم الجنس، والقرو لغةٌ في القرء، وقرأ الزُّهريُّ - ويروى عن نافع - :« قُرُوِّ » بتشديد الواو، وهي كقراءة الجمهور، إلا أنه خفَّف، فأبدل الهمزة واواً، وأدغم فيها الواو قبلها. فصل مذهب الشَّافعيِّ - رضي الله عنه - : أنها الأظهار؛ وهو مرويٌّ عن ابن عمرو، وزيد، وعائشة، والفقهاء السَّبعة، ومالك وربيعة، وأحمد في رواية.